نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3203
في طريق شهواتهم، وهم أضعف من أن يغالبوا أهواءهم وشهواتهم ولكنهم أجرأ على الحق وعلى دعاته! فمن ضعفهم تجاه الأهواء والشهوات يستمدون القوة على الحق والاجتراء على الدعاة! لهذا يهددهم صاحب القوة والجبروت. العليم بما يسرون وما يمكرون:
«أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً؟ فَإِنَّا مُبْرِمُونَ. أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ؟ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» ..
فإصرارهم على الباطل في وجه الحق يقابله أمر الله الجازم وإرادته بتمكين هذا الحق وتثبيته. وتدبيرهم ومكرهم في الظلام يقابله علم الله بالسر والنجوى. والعاقبة معروفة حين يقف الخلق الضعاف القاصرون، أمام الخالق العزيز العليم.
ويتركهم بعد هذا التهديد المرهوب، ويوجه رسوله الكريم، إلى قول يقوله لهم. ثم يدعهم من بعده لمصيرهم الذي شهدوا صورته منذ قليل:
«قُلْ: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ. سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ» ..
لقد كانوا يعبدون الملائكة بزعم أنهم بنات الله. ولو كان لله ولد لكان أحق أحد بعبادته، وبمعرفة ذلك، نبي الله ورسوله، فهو منه قريب، وهو أسرع إلى طاعة الله وعبادته، وتوقير ولده إن كان له ولد كما يزعمون! ولكنه لا يعبد إلا الله. فهذا في ذاته دليل على أن ما يزعمونه من بنوة أحد لله لا أصل له، ولا سند ولا دليل! تنزه الله وتعالى عن ذلك الزعم الغريب! «سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. رَبِّ الْعَرْشِ. عَمَّا يَصِفُونَ» ..
وحين يتأمل الإنسان هذه السماوات والأرض، ونظامها، وتناسقها، ومدى ما يكمن وراء هذا النظام من عظمة وعلو. ومن سيطرة واستعلاء. يشير إلى هذا كله قوله: «رَبِّ الْعَرْشِ» .. يصغر في نفسه كل وهم وكل زعم من ذلك القبيل. ويدرك بفطرته أن صانع هذا كله لا يستقيم في الفطرة أن يكون له شبه- أي شبه- بالخلق. الذين يلدون وينسلون! ومن ثم يبدو مثل ذلك القول لهوا ولعبا وخوضا وتقحما لا يستحق شيء منه المناقشة والجدل إنما يستحق الإهمال أو التحذير:
«فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ» ..
والذي شهدوا صورة منه يوم يكون! ثم يمضي- بعد الإعراض عنهم وإهمالهم- في تمجيد الخالق وتوحيده بما يليق بربوبيته للسماوات والأرض والعرش العظيم:
«وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ. وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما، وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» ..
وهو تقرير الألوهية الواحدة في السماء وفي الأرض، والتفرد بهذه الصفة لا يشاركه فيها مشارك. مع الحكمة فيما يفعل. والعلم المطلق بهذا الملك العريض.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3203