نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3202
أي تسرون سرورا يشيع في أعطافكم وقسماتكم فيبدو عليكم الحبور.
ثم نشهد- بعين الخيال- فإذا صحاف من ذهب وأكواب يطاف بها عليهم. وإذا لهم في الجنة ما تشتهيه الأنفس. وفوق شهوة النفوس التذاذ العيون، كمالا وجمالا في التكريم:
«يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ. وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ، وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ» ..
ومع هذا النعيم. ما هو أكبر منه وأفضل. التكريم بالخطاب من العلي الكريم:
«وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ. وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ» ..
فما بال المجرمين الذين تركناهم منذ هنيهة يتلاحون ويختصمون؟
«إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ» ..
وهو عذاب دائم، وفي درجة شديدة عصيبة. لا يفتر لحظة، ولا يبرد هنيهة. ولا تلوح لهم فيه بارقة من أمل في الخلاص، ولا كوة من رجاء بعيد. فهم فيه يائسون قانطون:
«لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ» ..
كذلك فعلوا بأنفسهم، وأوردوها هذا المورد الموبق، ظالمين غير مظلومين:
«وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ» ..
ثم تتناوح في الجو صيحة من بعيد. صيحة تحمل كل معاني اليأس والكرب والضيق:
«وَنادَوْا: يا مالِكُ. لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ» ..
إنها صيحة متناوحة من بعد سحيق. من هناك من وراء الأبواب الموصدة في الجحيم. إنها صيحة أولئك المجرمين الظالمين. إنهم لا يصيحون في طلب النجاة ولا في طلب الغوث. فهم مبلسون يائسون. إنما يصيحون في طلب الهلاك. الهلاك السريع الذي يريح.. وحسب المنايا أن يكن أمانيا! .. وإن هذا النداء ليلقي ظلا كثيفا للكرب والضيق. وإننا لنكاد نرى من وراء صرخة الاستغاثة نفوسا أطار صوابها العذاب، وأجساما تجاوز الألم بها حد الطاقة، فانبعثت منها تلك الصيحة المريرة: «يا مالِكُ. لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ» ! ولكن الجواب يجيء في تيئيس وتخذيل، وبلا رعاية ولا اهتمام:
«قالَ: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ» ! فلا خلاص ولا رجاء ولا موت ولا قضاء.. إنكم ماكثون! وفي ظل هذا المشهد الكامد المكروب يخاطب هؤلاء الكارهين للحق، المعرضين عن الهدى، الصائرين إلى هذا المصير ويعجب من أمرهم على رؤوس الأشهاد، في أنسب جو للتحذير والتعجيب.
«لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ. أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً؟ فَإِنَّا مُبْرِمُونَ. أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ؟ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ» ..
وكراهة الحق هي التي كانت تحول بينهم وبين اتباعه، لا عدم إدراك أنه الحق، ولا الشك في صدق الرسول الكريم فما عهدوا عليه كذبا قط على الناس، فكيف يكذب على الله ويدعي عليه ما يدعيه؟
والذين يحاربون الحق لا يجهلون في الغالب أنه الحق، ولكنهم يكرهونه، لأنه يصادم أهواءهم، ويقف
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3202