responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3179
تشهد بالعلم لخالق السماوات والأرض العزيز العليم. وكلها تشعر القلب البشري باليد القادرة المدبرة، في حيثما امتد بصره، وتلفت خاطره وأنه غير مخلوق سدى، وغير متروك لقى وأن هذه اليد تمسك به، وتنقل خطاه، وتتولى أمره في كل خطوة من خطواته في الحياة، وقبل الحياة، وبعد الحياة! «لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» .. فإن تدبر هذا الكون، وما فيه من نواميس متناسقة كفيل بهداية القلب إلى خالق هذا الكون، ومودعه ذلك التنظيم الدقيق العجيب..
ثم يخطو بهم خطوة أخرى في طريق نشأة الحياة والأحياء، بعد تمهيد الأرض للإنسان وتذليل السبل فيها للحياة:
«وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ، فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً، كَذلِكَ تُخْرَجُونَ» ..
والماء الذي ينزل من السماء يعرفه كل إنسان ويراه كل إنسان ولكن أكثر الناس يمرون على هذا الحدث العجيب دون يقظة ودون اهتزاز، لطول الألفة والتكرار. فأما محمد رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فكان يتلقى قطراته في حب وفي ترحيب وفي حفاوة وفي استبشار لأنها قادمة إليه من عند الله. ذلك أن قلبه الحي كان يدرك صنع الله الحي في هذه القطرات، ويرى يده الصناع! وهكذا ينبغي أن يتلقاها القلب الموصول بالله ونواميسه في هذا الوجود. فهي وليدة هذه النواميس التي تعمل في هذا الكون وعين الله عليها ويد الله فيها في كل مرة وفي كل قطرة. ولا يبرد من حرارة هذه الحقيقة، ولا ينقص من وقعها أن هذا الماء أصله البخار المتصاعد من الأرض، المتكاثف في أجواز الفضاء. فمن أنشأ هذه الأرض؟ ومن جعل فيها الماء؟ ومن سلط عليها الحرارة؟ ومن جعل من طبيعة الماء أن يتبخر بالحرارة؟ ومن أودع البخار خاصية الارتفاع وخاصية التكثف في أجواز الفضاء؟ ومن أودع الكون خصائصه الأخرى التي تجعل ذلك البخار المتكثف مشحونا بالكهرباء التي تتلاقى وتتفرغ فيسقط الماء؟
وما الكهرباء؟ وما هذا وما ذاك من الخصائص والأسرار التي تنتهي كلها إلى نزول الماء؟ إننا نلقي من العلم على حسنا أثقالا تحجب عنا إيقاع هذا الكون العجيب، بدلا من أن نتخذ من العلم معرفة ترهف المشاعر وترقق القلوب! «وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ» ..
فهو مقدر موزون لا يزيد فيغرق ولا يقل فتجف الأرض وتذبل الحياة ونحن نرى هذه القول الموافقة العجيبة، ونعرف اليوم ضرورتها لإنشاء الحياة وإبقائها كما أرادها الله.
«فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً» ..
والإنشاء الإحياء. والحياة تتبع الماء. ومن الماء كل شيء حي.
«كَذلِكَ تُخْرَجُونَ» ..
فالذي أنشأ الحياة أول مرة كذلك يعيدها والذي أخرج الأحياء أول مرة من الأرض الميتة، كذلك يخرج الأحياء منها يوم القيامة. فالإعادة من البدء وليس فيها عزيز على الله.
ثم هذه الأنعام التي يجعلون منها جزءا لله وجزءا لغير الله، وما لهذا خلقها الله إنما خلقها لتكون من نعم الله على الناس، يركبونها كما يركبون الفلك، ويشكرون الله على تسخير هما، ويقابلون نعمته بما تستحقها:
«وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ. لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ، وَتَقُولُوا: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا، وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ» ..
والزوجية هي قاعدة الحياة كما تشير إليها هذه الآية. فكل الأحياء أزواج، وحتى الخلية الواحدة الأولى

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3179
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست