نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3167
في الشخصية الإسلامية كان يقتضي كبح جماح هذا التوفز الدائم، وإخضاعها لهدف، وتعويدها الصبر وضبط الأعصاب. مع إشعار النفوس باستعلاء العقيدة على كل نزوة وعلى كل مغنم. ومن ثم كانت الدعوة إلى الصبر على الأذى متفقة مع منهج التربية الذي يهدف إلى التوازن في الشخصية الإسلامية، وتعليمها الصبر والثبات والمضي في الطريق.
فهذه الاعتبارات وأمثالها قد اقتضت سياسة المسالمة والصبر في مكة. مع تقرير الطابع الأساسي الدائم للجماعة المسلمة: «وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ» ..
ويؤكد هذه القاعدة بوصفها قاعدة عامة في الحياة:
«وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» ..
فهذا هو الأصل في الجزاء. مقابلة السيئة بالسيئة، كي لا يتبجح الشر ويطغى، حين لا يجد رادعا يكفه عن الإفساد في الأرض فيمضي وهو آمن مطمئن! ذلك مع استحباب العفو ابتغاء أجر الله وإصلاح النفس من الغيظ، وإصلاح الجماعة من الأحقاد. وهو استثناء من تلك القاعدة. والعفو لا يكون إلا مع المقدرة على جزاء السيئة بالسيئة. فهنا يكون للعفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي والمسامح سواء. فالمعتدي حين يشعر بأن العفو جاء سماحة ولم يجئ ضعفا يخجل ويستحيي، ويحس بأن خصمه الذي عفا هو الأعلى. والقوي الذي يعفو تصفو نفسه وتعلو. فالعفو عندئذ خير لهذا وهذا.
ولا كذلك عند الضعف والعجز. وما يجوز أن يذكر العفو عند العجز. فليس له ثمة وجود. وهو شر يطمع المعتدي ويذل المعتدى عليه، وينشر في الأرض الفساد! «إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» ..
وهذا توكيد للقاعدة الأولى: «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» من ناحية. وإيحاء بالوقوف عند رد المساءة أو العفو عنها. وعدم تجاوز الحد في الاعتداء، من ناحية أخرى.
وتوكيد آخر أكثر تفصيلا:
«وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ، فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ، وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ. أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
فالذي ينتصر بعد ظلمه، ويجزي السيئة بالسيئة، ولا يعتدي، ليس عليه من جناح. وهو يزاول حقه المشروع. فما لأحد عليه من سلطان. ولا يجوز أن يقف في طريقه أحد. إنما الذين يجب الوقوف في طريقهم هم الذين يظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحق. فإن الأرض لا تصلح وفيها ظالم لا يقف له الناس ليكفوه ويمنعوه من ظلمه وفيها باغ يجور ولا يجد من يقاومه ويقتص منه. والله يتوعد الظالم الباغي بالعذاب الأليم. ولكن على الناس كذلك أن يقفوا له ويأخذوا عليه الطريق.
ثم يعود إلى التوازن والاعتدال وضبط النفس والصبر والسماحة في الحالات الفردية، وعند المقدرة على الدفع كما هو مفهوم وحين يكون الصبر والسماحة استعلاء لا استخذاء وتجملا لا ذلا:
«وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» ..
ومجموعة النصوص في هذه القضية تصور الاعتدال والتوازن بين الاتجاهين وتحرص على صيانة النفس من الحقد والغيظ، ومن الضعف والذل، ومن الجور والبغي. وتعلقها بالله ورضاه في كل حال. وتجعل الصبر
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3167