responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3163
سلطان على الروح والنفس والقلب والجوارح، ذات تأثير في الأخلاق والاجتماع، ذات سيطرة على الحياة وما يتصل بها. آمنوا بالله الذي له الأسماء الحسنى والمثل الأعلى. آمنوا برب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الملك، القدوس، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، العزيز، الحكيم، الغفور، الودود، الرؤوف، الرحيم، له الخلق والأمر، بيده ملكوت كل شيء، يجير ولا يجار عليه.. إلى آخر ما جاء في القرآن من وصفه. يثيب بالجنة ويعذب بالنار، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، يعلم الخبء في السماوات والأرض، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. إلى آخر ما جاء في القرآن من قدرته وتصرفه وعلمه. فانقلبت نفسيتهم بهذا الإيمان الواسع العميق الواضح انقلابا عجيبا. فإذا آمن أحد بالله وشهد أن لا إله إلا الله انقلبت حياته ظهرا لبطن. تغلغل الإيمان في أحشائه وتسرب إلى جميع عروقه ومشاعره، وجرى منه مجرى الروح والدم، واقتلع جراثيم الجاهلية وجذورها، وغمر العقل والقلب بفيضانه، وجعل منه رجلا غير الرجل، وظهر منه من روائع الإيمان واليقين والصبر والشجاعة، ومن خوارق الأفعال والأخلاق ما حير العقل والفلسفة وتاريخ الأخلاق، ولا يزال موضع حيرة ودهشة منه إلى الأبد، وعجز العلم عن تعليله بشيء غير الإيمان الكامل العميق» » .
«وكان هذا الإيمان مدرسة خلقية وتربية نفسية تملي على صاحبها الفضائل الخلقية من صرامة إرادة وقوة نفس، ومحاسبتها والإنصاف منها، وكان أقوى وازع عرفه تاريخ الأخلاق وعلم النفس عن الزلات الخلقية والسقطات البشرية حتى إذا جمحت السورة البهيمية في حين من الأحيان، وسقط الإنسان سقطة وكان ذلك حيث لا تراقبه عين، ولا تتناوله يد القانون، تحول هذا الإيمان نفساً لوامة عنيفة، ووخزاً لاذعاً للضمير، وخيالاً مروعاً، لا يرتاح معه صاحبه حتى يعترف بذنبه أمام القانون، ويعرض نفسه للعقوبة الشديدة، ويتحملها مطمئناً مرتاحاً، تفاديا من سخط الله وعقوبة الآخرة [2] » ..
«.. وكان هذا الإيمان حارسا لأمانة الإنسان وعفافه وكرامته، يملك نفسه النزع أمام المطامع والشهوات الجارفة وفي الخلوة والوحدة حيث لا يراه أحد، وفي سلطانه ونفوذه حيث لا يخاف أحدا. وقد وقع في تاريخ الفتح الإسلامي من قضايا العفاف عند المغنم، وأداء الأمانات إلى أهلها، والإخلاص لله، ما يعجز التاريخ البشري عن نظائره، وما ذاك إلا نتيجة رسوخ الإيمان، ومراقبة الله واستحضار علمه في كل مكان وزمان» [3] .
«وكانوا قبل هذا الإيمان في فوضى من الأفعال والأخلاق والسلوك والأخذ والترك والسياسة والاجتماع، لا يخضعون لسلطان، ولا يقرون بنظام، ولا ينخرطون في سلك، يسيرون على الأهواء، ويركبون العمياء، ويخبطون خبط عشواء. فأصبحوا الآن في حظيرة الإيمان والعبودية لا يخرجون منها، واعترفوا لله بالملك والسلطان، والأمر والنهي، ولأنفسهم بالرعوية والعبودية والطاعة المطلقة، وأعطوا من أنفسهم المقادة، واستسلموا للحكم الإلهي استسلاما كاملا ووضعوا أوزارهم، وتنازلوا عن أهواءهم وأنانيتهم، وأصبحوا عبيدا لا يملكون مالا ولا نفسا ولا تصرفا في الحياة إلا ما يرضاه الله ويسمح به، لا يحاربون ولا يصالحون

(1) ص 75- 76 الطبعة الثانية.
[2] ص 76.
[3] ص 77.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3163
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست