responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3162
ويقود البشرية في هذا الطريق.
وقيمة الإيمان التجرد من الهوى والغرض والصالح الشخصي وتحقيق المغانم. إذ يصبح القلب متعلقا بهدف أبعد من ذاته ويحس أن ليس له من الأمر شيء، إنما هي دعوة الله، وهو فيها أجير عند الله! وهذا الشعور ألزم ما يكون لمن توكل إليه مهمة القيادة كي لا يقنط إذ أعرض عنه القطيع الشارد أو أوذي في الدعوة ولا يغتر إذا ما استجابت له الجماهير، أو دانت له الرقاب. فإنما هو أجير.
ولقد آمنت العصبة الأولى من المسلمين إيمانا كاملا أثر في نفوسهم وأخلاقهم وسلوكهم تأثيرا عجيبا. وكانت صورة الإيمان في نفس البشرية قد بهتت وغمضت حتى فقدت تأثيرها في أخلاق الناس وسلوكهم، فلما أن جاء الإسلام أنشأ صورة للإيمان حية مؤثرة فاعلة تصلح بها هذه لاعصبة للقيادة التي وضعت على عاتقها.
يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه: «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» . عن هذا الإيمان:
«انحلت العقدة الكبرى- عقدة الشرك والكفر- فانحلت العقد كلها وجاهدهم الرسول جهاده الأول، فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر ونهي وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى، فكان النصر حليفه في كل معركة وقد دخلوا في السلم كافة بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم كافة، لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، ولا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضى، ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى ... » «1»
«حتى إذا خرج حظ الشيطان من نفوسهم- بل خرج حظ نفوسهم من نفوسهم- وأنصفوا من أنفسهم إنصافهم من غيرهم، وأصبحوا في الدنيا رجال الآخرة، وفي اليوم رجال الغد، لا تجزعهم مصيبة، ولا تبطرهم نعمة، ولا يشلغهم فقر، ولا يطغيهم غنى، ولا تلهيهم تجارة، ولا تستخفهم قوة، ولا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، وأصبحوا للناس القسطاس المستقيم، قوامين بالقسط شهداء لله على أنفسهم أو الوالدين والأقربين.. وطأ لهم أكناف الأرض، وأصبحوا عصمة للبشرية، ووقاية للعالم. وداعية إلى دين الله..» «2»
ويقول عن تأثير الإيمان الصحيح في الأخلاق والميول:
«كان الناس عربا وعجما يعيشون حياة جاهلية، يسجدون فيها لكل ما خلق لأجلهم ويخضع لإرادتهم وتصرفهم، لا يثيب الطائع بجائزة، ولا يعذب العاصي بعقوبة، ولا يأمر ولا ينهى فكانت الديانة سطحية طافية في حياتهم، ليس لها سلطان على أرواحهم ونفوسهم وقلوبهم، ولا تأثير لها في أخلاقهم واجتماعهم.
كانوا يؤمنون بالله كصانع أتم عمله واعتزل وتنازل عن مملكته لأناس خلع عليهم خلعة الربوبية فأخذوا بأيديهم أزمة الأمر، وتولوا إدارة المملكة وتدبير شؤونها وتوزيع أرزاقها، إلى غير ذلك من مصالح الحكومة المنظمة. فكان إيمانهم بالله لا يزيد على معرفة تاريخية، وكان إيمانهم بالله، وإحالتهم خلق السماوات والأرض إلى الله لا يختلف عن جواب تلميذ من تلاميذ فن التاريخ، يقال له: من بنى هذا القصر العتيق؟ فيسمي ملكا من الملوك الأقدمين من غير أن يخافه ويخضع له فكان دينهم عاريا عن الخشوع لله ودعائه، وما كانوا يعرفون عن الله ما يحببه إليهم، فكانت معرفتهم مبهمة غامضة، قاصرة مجملة، لا تبعث في نفوسهم هيبة ولا محبة..
«.. انتقل العرب والذين أسلموا من هذه المعرفة العليلة الغامضة الميتة إلى معرفة عميقة واضحة روحية ذات

(1) ص 73 الطبعة الثانية.
(2) ص 74 الطبعة الثانية. [.....]
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3162
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست