responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3157
وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ، إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ»
..
تجيء هذه اللمسة بعد ما سبق من مشهد الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم، ومشهد الذين آمنوا في روضات الجنات. ونفي كل شبهة عن صدق رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فيما بلغهم به عن الله. وتقرير علم الله بذوات الصدور.
تجيء لترغيب من يريد التوبة والرجوع عما هو فيه من ضلالة، قبل أن يقضى في الأمر القضاء الأخير. ويفتح لهم الباب على مصراعيه: فالله يقبل عنهم التوبة، ويعفو عن السيئات فلا داعي للقنوط واللجاج في المعصية، والخوف مما أسلفوا من ذنوب. والله يعلم ما يفعلون. فهو يعلم التوبة الصادقة ويقبلها. كما يعلم ما أسلفوا من السيئات ويغفرها.
وفي ثنايا هذه اللمسة يعود إلى جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين. فالذين آمنوا وعملوا الصالحات يستجيبون لدعوة ربهم، وهو يزيدهم من فضله. «وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ» .. وباب التوبة مفتوح للنجاة من العذاب الشديد، وتلقي فضل الله لمن يستجيب.
وفضل الله في الآخرة بلا حساب، وبلا حدود ولا قيود. فأما رزقه لعباده في الأرض فهو مقيد محدود لما يعلمه- سبحانه- من أن هؤلاء البشر لا يطيقون- في الأرض- أن يتفتح عليهم فيض الله غير المحدود:
«وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ. إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ» ..
وهذا يصور نزارة ما في هذه الحياة الدنيا من أرزاق- مهما كثرت- بالقياس إلى ما في الآخرة من فيض غزير. فالله يعلم أن عباده، هؤلاء البشر، لا يطيقون الغنى إلا بقدر، وأنه لو بسط لهم في الرزق- من نوع ما يبسط في الآخرة- لبغوا وطغوا. إنهم صغار لا يملكون التوازن. ضعاف لا يحتملون إلا إلى حد. والله بعباده خبير بصير. ومن ثم جعل رزقهم في هذه الأرض مقدرا محدودا، بقدر ما يطيقون. واستبقى فيضه المبسوط لمن ينجحون في بلاء الأرض، ويجتازون امتحانها، ويصلون إلى الدار الباقية بسلام. ليتلقوا فيض الله المذخور لهم بلا حدود ولا قيود.
«وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا، وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ» ..
وهذه لمسة أخرى كذلك تذكرهم بجانب من فضل الله على عباده في الأرض. وقد غاب عنهم الغيث، وانقطع عنهم المطر، ووقفوا عاجزين عن سبب الحياة الأول.. الماء.. وأدركهم اليأس والقنوط. ثم ينزل الله الغيث، ويسعفهم بالمطر، وينشر رحمته، فتحيا الأرض، ويخضر اليابس، وينبت البذر، ويترعرع النبات، ويلطف الجو، وتنطلق الحياة، ويدب النشاط، وتنفرج الأسارير، وتتفتح القلوب، وينبض الأمل، ويفيض الرجاء.. وما بين القنوط والرحمة إلا لحظات. تتفتح فيها أبواب الرحمة، فتتفتح أبواب السماء بالماء..
«وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ» .. وهو النصير والكافل المحمود الذات والصفات..
واللفظ القرآني المختار للمطر في هذه المناسبة.. «الْغَيْثَ» .. يلقي ظل الغوث والنجدة، وتلبية المضطر في الضيق والكربة. كما أن تعبيره عن آثار الغيث.. «وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ» .. يلقي ظلال النداوة والخضرة والرجاء والفرح، التي تنشأ فعلا عن تفتح النبات في الأرض وارتقاب الثمار. وما من مشهد يريح الحس والأعصاب،

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3157
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست