responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3150
«فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ، وَقُلْ: آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ. وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ. اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ. لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ. لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ. اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» ..
إنها القيادة الجديدة للبشرية جمعاء. القيادة الحازمة المستقيمة على نهج واضح ويقين ثابت. تدعو إلى الله على بصيرة. وتستقيم على أمر الله دون انحراف. وتنأى عن الأهواء المضطربة المتناوحة من هنا وهناك. القيادة التي تعلن وحدة الرسالة ووحدة الكتاب ووحدة النهج والطريق. والتي ترد الإيمان إلى أصله الثابت الواحد، وترد البشرية كلها إلى ذلك الأصل الواحد: «وَقُلْ: آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ» .. ثم هو الاستعلاء والهيمنة بالحق والعدل. «وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ» .. فهي قيادة ذات سلطان، تعلن العدل في الأرض بين الجميع. (هذا والدعوة بعد في مكة محصورة بين شعابها مضطهدة هي وأصحابها. ولكن طبيعتها المهيمنة الشاملة تبدو واضحة) . وتعلن الربوبية الواحدة: «اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ» .. وتعلن فردية التبعة: «لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ» .. وتعلن إنهاء الجدل بالقول الفصل: «لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ» .. وتكل الأمر كله إلى الله صاحب الأمر الأخير: «اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» ..
وتكشف هذه الآية الواحدة عن طبيعة هذه الرسالة الأخيرة، في مقاطعها القصيرة الفاصلة على هذا النحو الجامع الحازم الدقيق. فهي رسالة جاءت لتمضي في طريقها لا تتأثر بأهواء البشر. وجاءت لتهيمن فتحقق العدالة في الأرض. وجاءت لتوحد الطريق إلى الله كما هو في حقيقته موحد على مدى الرسالات..
وبعد وضوح القضية على هذا النحو، واستجابة العصبة المؤمنة لله هذه الاستجابة، يبدو جدل المجادلين في الله مستنكرا لا يستحق الالتفات، وتبدو حجتهم باطلة فاشلة ليس لها وزن ولا حساب. فتنتهي هذه الفقرة بالفصل في أمرهم، وتركهم لوعيد الله الشديد:
«وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ. مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ. حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ، وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ» ..
ومن تكون حجته باطلة مغلوبة عند ربه فلا حجة له ولا سلطان. ووراء الهزيمة والبطلان في الأرض، الغضب والعذاب الشديد في الآخرة. وهو الجزاء المناسب على اللجاج بالباطل بعد استجابة القلوب الخالصة والجدل المغرض بعد وضوح الحق الصريح.
ثم يبدأ جولة جديدة مع الحقيقة الأولى:
«اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ. وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ. يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها، وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ، أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ. مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ» ..
فالله أنزل الكتاب بالحق وأنزل العدل وجعله حكما فيما يختلف فيه أصحاب العقائد السالفة، وفيما تختلف فيه آراء الناس وأهواؤهم وأقام شرائعه على العدل في الحكم. العدل الدقيق كأنه الميزان توزن به القيم، وتوزن به الحقوق، وتوزن به الأعمال والتصرفات.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3150
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست