نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3149
فأما الأجيال التي ورثت الكتاب من بعد أولئك الذين تفرقوا وفرقوا من أتباع كل نبي، فقد تلقوا عقيدتهم وكتابهم بغير يقين جازم إذ كانت الخلافات السابقة مثارا لعدم الجزم بشيء، وللشك والغموض والحيرة بين شتى المذاهب والاختلافات:
«وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ» ..
وما هكذا تكون العقيدة. فالعقيدة هي الصخرة الصلبة التي يقف عليها المؤمن، فتميد الأرض من حوله وهو ثابت راسخ القدمين فوق الصخرة الصلبة التي لا تميد. والعقيدة هي النجم الهادي الثابت على الأفق يتجه إليه المؤمن وسط الأنواء والزوابع، فلا يضل ولا يحيد. فأما حين تصبح العقيدة ذاتها موضع شك ومثار ريبة، فلا ثبات لشيء ولا لأمر في نفس صاحبها، ولا قرار له على وجهة، ولا اطمئنان إلى طريق.
ولقد جاءت العقيدة ليعرف أصحابها طريقهم ووجهتهم إلى الله ويقودوا من وراءهم من البشر في غير ما تلجلج ولا تردد ولا ضلال. فإذا هم استرابوا وشكوا فهم غير صالحين لقيادة أحد، وهم أنفسهم حائرون.
وكذلك كان حال أتباع الرسل يوم جاء هذا الدين الجديد.
يقول الأستاذ الهندي أبو الحسن الندوي في كتابه: «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» :
«أصبحت الديانات العظمى فريسة العابثين والمتلاعبين، ولعبة المحرفين والمنافقين، حتى فقدت روحها وشكلها، فلو بعث أصحابها الأولون لم يعرفوها، وأصبحت مهود الحضارة والثقافة والحكم والسياسة مسرح الفوضى والانحلال والاختلال وسوء النظام، وعسف الحكام، وشغلت بنفسها، لا تحمل للعالم رسالة ولا للأمم دعوة، وأ فلست في معنوياتها، ونضب معين حياتها، لا تملك مشرعا صافيا من الدين السماوي، ولا نظاما ثابتا من الحكم البشري» [1] ويقول الكاتب الأوربي «ج. هـ. دنيسون» في كتابه «العواطف كأساس للحضارة» [2] :
«ففي القرنين الخامس والسادس كان العالم المتمدين على شفا جرف هار من الفوضى، لأن العقائد التي كانت تعين على إقامة الحضارة كانت قد انهارت ولم يك ثم ما يعتد به مما يقوم مقامها. وكان يبدو إذ ذاك أن المدنية الكبرى، التي تكلف بناؤها جهود أربعة آلاف سنة، مشرفة على التفكك والانحلال وأن البشرية توشك أن ترجع ثانية إلى ما كانت عليه من الهمجية، إذ القبائل تتحارب وتتناحر، لا قانون ولا نظام. أما النظم التي خلقتها المسيحية فكانت تعمل على الفرقة والانهيار، بدلا من الاتحاد والنظام. وكانت المدينة كشجرة ضخمة متفرعة امتد ظلها إلى العالم كله. واقفة تترنح وقد تسرب إليها العطب حتى اللباب.. وبين مظاهر هذا الفساد الشامل ولد الرجل الذي واحد العالم جميعه» .. يعني محمدا- صلّى الله عليه وسلّم..
ولأن أتباع الرسل تفرقوا- من بعد ما جاءهم العلم- ولأن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم كانوا في شك منه مريب.. لهذا وذلك، ولخلو مركز القيادة البشرية من قائد ثبت مستيقن يعرف طريقه إلى الله.. أرسل الله محمدا- صلّى الله عليه وسلّم- ووجه إليه الأمر أن يدعو وأن يستقيم على دعوته، وألا يلتفت إلى الأهواء المصطرعة حوله وحول دعوته الواضحة المستقيمة وأن يعلن تجديد الإيمان بالدعوة الواحدة التي شرعها الله للنبيين أجمعين: [1] صفحة 22 الطبعة الثانية. [2] ترجمة «..»
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3149