responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3125
الضالون في الأرض. ولا يغترون بقرب مكانهم من الله. ولا يفترون عن تسبيحه ليلا ونهارا «وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ» ..
فماذا يساوي أن يتخلف من أهل الأرض من يتخلف في حقيقة العبودية لله من الجميع؟
وهنالك الأرض- أمهم التي تقوتهم- الأرض التي منها خرجوا وإليها يعودون. الأرض التي هم على سطحها نمال تدب ولا طعام لها ولا شراب إلا ما تستمده منها.. هذه الأرض تقف خاشعة لله، وهي تتلقى من يديه الحياة:
«وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ. إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..
ونقف لحظة أمام دقة التعبير القرآني في كل موضع. فخشوع الأرض هنا هو سكونها قبل نزول الماء عليها.
فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت. وكأنما هي حركة شكر وصلاة على أسباب الحياة. ذلك أن السياق الذي وردت فيه هذه الآية سياق خشوع وعبادة وتسبيح، فجيء بالأرض في هذا المشهد، شخصا من شخوص المشهد، تشارك فيه بالشعور المناسب وبالحركة المناسبة..
ونستعير هنا صفحة من كتاب «التصوير الفني في القرآن» عن التناسق الفني في مثل هذا التعبير [1] :
«عبر القرآن عن الأرض قبل نزول المطر. وقبل تفتحها بالنبات، مرة بأنها «هامدة» ، ومرة بأنها «خاشعة» .
وقد يفهم البعض أن هذا مجرد تنويع في التعبير. فلننظر كيف وردت هاتان الصورتان:
«لقد وردتا في سياقين مختلفين على هذا النحو:
«وردت «هامدة» في هذا السياق: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ، فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ. لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً. وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» [2] ..
ووردت «خاشعة» في هذا السياق: «وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ، وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ، إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ. وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ» .
«وعند التأمل السريع في هذين السياقين، يتبين وجه التناسق في «هامِدَةً» و «خاشِعَةً» . إن الجو في السياق الأول جو بعث وإحياء وإخراج فمما يتسق معه تصوير الأرض «هامِدَةً» ثم تهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج. وإن الجو في السياق الثاني هو جو عبادة وخشوع وسجود، يتسق معه تصوير الأرض «خاشِعَةً» فإذا نزل عليها الماء اهتزت وربت.
«ثم لا يزيد على الاهتزاز والإرباء هنا، الإنبات والإخراج، كما زاد هناك، لأنه لا محل لها في جو العبادة والسجود. ولم تجئ «اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ» هنا للغرض الذي جاءتا من أجله هناك. إنهما تخيلان حركة للأرض بعد خشوعها. وهذه الحركة هي المقصودة هنا، لأن كل ما في المشهد يتحرك حركة العبادة، فلم يكن من

[1] ص 98- 100 من الطبعة الرابعة
[2] سورة الحج (5) .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3125
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست