نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3124
هذا شوط جديد مع القلب البشري في مجال الدعوة. يبدأ بجولة مع آيات الله الكونية: الليل والنهار والشمس والقمر، وفي المشركين من كان يسجد للشمس وللقمر مع الله. وهما من خلق الله. ويعقب على عرض هذه الآيات بأنهم إن استكبروا عن عبادة الله فهناك من هم أقرب منهم إلى الله يعبدونه. ثم هناك الأرض كلها في مقام العبادة وهي تتلقى من ربها الحياة، كما تلقوها فلم يتحركوا بها إلى الله. إنما هم يلحدون في آيات الله الكونية، ويجادلون في آياته القرآنية وهو قرآن عربي غير مشوب بأعجمية. وينتقل بهم إلى مشهد من مشاهد القيامة. ثم يعرض عليهم أنفسهم عارية بكل ما فيها من ضعف وتقلب ونسيان، وبكل ما فيها من حرص على الخير وجزع من الضر. ثم هم لا يقون أنفسهم من شر ما يصيبها عند الله. وتنتهي السورة بوعد الله سبحانه أن يكشف للناس عن آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، ويذهب ما في قلوبهم من ريب وشك..
«وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ. وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ. إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» ..
وهذه الآيات معروضة للأنظار، يراها العالم والجاهل. ولها في القلب البشري روعة مباشرة. ولو لم يعلم الإنسان شيئا عن حقيقتها العلمية. فبينها وبين الكائن البشري صلة أعمق من المعرفة العلمية. بينها وبينه هذا الاتصال في النشأة، وفي الفطرة، وفي التكوين. فهو منها وهي منه. تكوينه تكوينها، ومادته مادتها، وفطرته فطرتها، وناموسه ناموسها، وإلهه إلهها.. فهو من ثم يستقبلها بحسه العميق في هزة وإدراك مباشر لمنطقها العريق! لهذا يكتفي القرآن غالبا بتوجيه القلب إليها، وإيقاظه من غفلته عنها، هذه الغفلة التي ترد عليه من طول الألفة تارة، ومن تراكم الحواجز والموانع عليه تارة. فيجلوها القرآن عنه، لينتفض جديدا حيا يقظا يعاطف هذا الكون الصديق، ويتجاوب معه بالمعرفة القديمة العميقة الجذور.
وصورة من صور الانحراف تلك التي تشير إليها الآية هنا. فقد كان قوم يبالغون في الشعور بالشمس والقمر شعورا منحرفا ضالا فيعبدونهما باسم التقرب إلى الله بعبادة أبهى خلائقه! فجاء القرآن ليردهم عن هذا الانحراف ويزيل الغبش عن عقيدتهم المدخولة. ويقول لهم: إن كنتم تعبدون الله حقا فلا تسجدوا للشمس والقمر..
«وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ» فالخالق هو وحده الذي يتوجه إليه المخلوقون أجمعين. والشمس والقمر مثلكم يتوجهون إلى خالقهما فتوجهوا معهم إلى الخالق الواحد الذي يستحق أن تعبدوه. ويعيد الضمير عليهما مؤنثا مجموعا: «خَلَقَهُنَّ» باعتبار جنسهما وأخواتهما من الكواكب والنجوم ويتحدث عنهن بضمير المؤنث العاقل ليخلع عليهن الحياة والعقل، ويصورهن شخوصا ذات أعيان! فإن استكبروا بعد عرض هذه الآيات، وبعد هذا البيان، فلن يقدم هذا أو يؤخر ولن يزيد هذا أو ينقص. فغيرهم يعبد غير مستكبر:
«فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ» ..
وأقرب ما يرد على القلب عند ذكر «فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ» الملائكة. ولكن قد يكون هنالك غير الملائكة من عباد الله المقربين وهل نعلم نحن شيئا إلا اليسير الضئيل؟! هؤلاء. الذين عند ربك. وهم أرفع وأعلى. وهم أكرم وأمثل. لا يستكبرون كما يستكبر أولئك المنحرفون
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3124