نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3110
والذي خلق السماوات ونظم أمرها. وزين السماء الدنيا بمصابيح وحفظا. والذي أسلمت له السماء والأرض قيادهما طائعتين مستسلمتين.. وأنتم.. أنتم بعض سكان هذه الأرض تتأبون وتستكبرون! ولكن النسق القرآني يعرض هذه الحقائق بطريقة القرآن التي تبلغ أعماق القلوب وتهزها هزا. فلنحاول أن نسير مع هذا النسق بالترتيب والتفصيل:
«قُلْ: أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً. ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها، وَبارَكَ فِيها، وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ» ..
إنه يذكر حقيقة خلق الأرض في يومين. ثم يعقب عليها قبل عرض بقية قصة الأرض. يعقب على الحلقة الأولى من قصة الأرض. «ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ» .. وأنتم تكفرون به وتجعلون له أندادا. وهو خلق هذه الأرض التي أنتم عليها. فأي تبجح وأي استهتار وأي فعل قبيح؟! وما هذه الأيام: الاثنان اللذان خلق فيهما الأرض. والاثنان اللذان جعل فيهما الرواسي وقدر فيهما الأقوات، وأحل فيهما البركة. فتمت بهما الأيام الأربعة؟
إنها بلا شك أيام من أيام الله التي يعلم هو مداها. وليست من أيام هذه الأرض. فأيام هذه الأرض إنما هي مقياس زمني مستحدث بعد ميلاد الأرض. وكما للأرض أيام، هي مواعيد دورتها حول نفسها أمام الشمس، فللكواكب الأخرى أيام، وللنجوم أيام، وهي غير أيام الأرض. بعضها أقصر من أيام الأرض وبعضها أطول.
والأيام التي خلقت فيها الأرض أولا، ثم تكونت فيها الجبال، وقدرت فيها الأقوات، هي أيام أخرى مقيسة بمقياس آخر، لا نعلمه، ولكننا نعرف أنه أطول بكثير من أيام الأرض المعروفة.
وأقرب ما نستطيع تصوره وفق ما وصل إليه علمنا البشري أنها هي الأزمان التي مرت بها الأرض طورا بعد طور، حتى استقرت وصلبت قشرتها وأصبحت صالحة للحياة التي نعلمها. وهذه قد استغرقت- فيما تقول النظريات التي بين أيدينا- نحو ألفي مليون سنة من سنوات أرضنا! وهذه مجرد تقديرات علمية مستندة إلى دراسة الصخور وتقدير عمر الأرض بوساطتها. ونحن في دراسة القرآن لا نلجأ إلى تلك التقديرات على أنها حقائق نهائية. فهي في أصلها ليست كذلك. وإن هي إلا نظريات قابلة للتعديل. فنحن لا نحمل القرآن عليها إنما نجد أنها قد تكون صحيحة إذا رأينا بينها وبين النص القرآني تقاربا، ووجدنا أنها تصلح تفسيرا للنص القرآني بغير تمحل. فنأخذ من هذا أن هذه النظرية أو تلك أقرب إلى الصحة لأنها أقرب إلى مدلول النص القرآني.
والراجح الآن في أقوال العلم أن الأرض كانت كرة ملتهبة في حالة غازية كالشمس الآن- والأرجح أنها قطعة من الشمس انفصلت عنها لسبب غير متفق على تقديره- وأنها استغرقت أزمانا طويلة حتى بردت قشرتها وصلبت. وأن جوفها لا يزال في حالة انصهار لشدة الحرارة حيث تنصهر أقسى الصخور.
ولما بردت القشرة الأرضية جمدت وصلبت. وكانت في أول الأمر صخرية صلبة. طبقات من الصخر بعضها فوق بعض.
وفي وقت مبكر جدا تكونت البحار من اتحاد الإيدروجين بنسبة 2 والأكسجين بنسبة 1 ومن اتحادهما ينشأ الماء.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3110