نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3100
هذه الخوارق التي يطلبون وهي شاهدة كذلك بالألوهية لبطلان أي ادعاء بأن أحدا غير الله خلقها، وأي ادعاء كذلك بأنها خلقت بلا خالق مدبر مريد:
«اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها، وَمِنْها تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ، وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ، وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ. وَيُرِيكُمْ آياتِهِ، فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ؟» ..
وخلق هذه الأنعام ابتداء آية خارقة كخلق الإنسان. فبث الحياة فيها وتركيبها وتصويرها كلها خوارق، لا يتطاول الإنسان إلى ادعائها! وتذليل هذه الأنعام وتسخيرها للإنسان، وفيها ما هو أضخم منه جسما وأشد منه قوة، وهو جعلها: «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها، وَمِنْها تَأْكُلُونَ..» . وهذه لا يستحق الاحترام أن يقول قائل: إنها هكذا وجدت والسّلام! وإنها ليست خارقة معجزة بالقياس إلى الإنسان! وإنها لا تدل على الخالق الذي أنشأها وسخرها بما أودعها من خصائص وأودع الإنسان! ومنطق الفطرة يقر بغير هذا الجدال والمراء.
ويذكرهم بما في هذه الآيات الخوارق من نعم كبار:
«لِتَرْكَبُوا مِنْها، وَمِنْها تَأْكُلُونَ» ، «وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ. وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ» ..
والحاجات التي كانت في الصدور والتي كانوا يبلغونها على الأنعام هي حاجات ضخمة في ذلك الزمان. قبل نشوء كل وسائل النقل والسفر والاتصال إلا على هذه الأنعام. وما تزال هناك حاجات تبلغ على هذه الأنعام حتى اليوم وغد. وهناك حتى اللحظة أسفار في بعض الجبال لا تبلغها إلا الأنعام مع وجود القطار والسيارة والطيارة، لأنها مجازات ضيقة لا تتسع لغير أقدام الأنعام! «وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ» ..
وهذه كتلك آية من آيات الله. ونعمة من نعمه على الإنسان. وسير الفلك على الماء قائم على نواميس وموافقات في تصميم هذا الكون: سمائه وأرضه. يابسه ومائه. وفي طبيعة أشيائه وعناصره. لا بد أن توجد حتى يمكن أن يسير الفلك على الماء. سواء سار بالشراع أم بالبخار أم بالذرة، أم بغيرها من القوى التي أودعها الله هذا الكون، ويسر استخدامها للإنسان.. ومن ثم تذكر في معرض آيات الله، وفي معرض نعمه على السواء.
وكم هنالك من آيات من هذا النوع الحاضر المتناثر في الكون، لا يملك إنسان أن ينكره وهو جاد:
َ يُرِيكُمْ آياتِهِ. فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ؟»
نعم إن هنالك من ينكر. وهنالك من يجادل في آيات الله. وهنالك من يجادل بالباطل ليدحض به الحق.
ولكن أحدا من هؤلاء لا يجادل إلا عن التواء، أو غرض، أو كبر، أو مغالطة، لغاية أخرى غير الحقيقة.
هنالك من يجادل لأنه طاغية كفرعون وأمثاله، يخشى على ملكه، ويخشى على عرشه، لأن هذا العرش يقوم على أساطير يذهب بها الحق، الذي يثبت بثبوت حقيقة الألوهية الواحدة! وهنالك من يجادل لأنه صاحب مذهب في الحكم كالشيوعية يتحطم إذا ثبتت حقيقة العقيدة السماوية في نفوس البشر. لأنه يريد أن يلصق الناس بالأرض وأن يعلق قلوبهم بمعداتهم وشهوات أجسادهم وأن يفرغها من عبادة الله لتعبد المذهب أو تعبد الزعيم! وهنالك من يجادل لأنه ابتلي بسيطرة رجال الدين- كما وقع في تاريخ الكنيسة في العصور الوسطى- ومن ثم فهو يريد الخلاص من هذه السيطرة. فيشتط فيرد على الكنيسة إلهها، الذي تستعبد باسمه الناس!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3100