responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3095
ومن ثم.. «فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» .. واحمدوه في الدعاء: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ..
وأمام هذه الآيات والهبات، وما تلاها من تعقيبات، وفي أشد اللحظات امتلاء بحقيقة الوحدانية، وحقيقة الألوهية. وحقيقة الربوبية. يجيء التلقين لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ليعلن للقوم أنه منهي عن عبادة ما يدعون من دون الله، مأمور بالإسلام لله رب العالمين:
«قُلْ: إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي، وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ» ..
أعلن لهؤلاء الذين يصرفون عن آيات الله ويجحدون هباته، أنك نهيت عن عبادة ما يدعون من دون الله.
وقل لهم: إنني نهيت وانتهيت «لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي» فعندي بينة، وأنا بها مؤمن، ومن حق هذه البينة أن أقتنع بها وأصدق، ثم أعلن كلمة الحق.. ومع الانتهاء عن عبادة غير الله- وهو سلب- الإسلام لرب العالمين- وهو إيجاب- ومن الشقين تتكامل العقيدة.
ثم يستعرض آية من آيات الله في أنفسهم بعد ما استعرض آياته في الآفاق. هي آية الحياة الإنسانية وأطوارها العجيبة وليتخذ من هذه الحياة مقدمة لتقرير حقيقة الحياة كلها بين يدي الله:
«هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ، ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ، وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى، وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ: كُنْ. فَيَكُونُ» ..
وهذه النشأة الإنسانية فيها ما لم يدركه علم الإنسان، لأنه كان قبل وجود الإنسان. وفيها ما يشاهده ويراقبه.
ولكن هذا إنما تم حديثا بعد نزول هذا القرآن بقرون! فخلق الإنسان من تراب حقيقة سابقة على وجود الإنسان. والتراب أصل الحياة كلها على وجه هذه الأرض.
ومنها الحياة الإنسانية. ولا يعلم إلا الله كيف تمت هذه الخارقة، ولا كيف تم هذا الحادث الضخم في تاريخ الأرض وتاريخ الحياة. وأما تكاثر الإنسان بعد ذلك عن طريق التزاوج فيتم عن طريق التقاء خلية التذكير وهي النطفة بالبويضة، واتحادهما، واستقرارهما في الرحم في صورة علقة.. وفي نهاية المرحلة الجنينية يخرج الطفل بعد عدة تطورات كبرى في طبيعة الخلية الأولى، تعد إذا نحن نظرنا إليها بتدبر أطول وأكبر من الأطوار التي يمر بها الطفل من ولادته إلى أن ينتهي أجله، والتي يقف السياق عند بعض مراحلها البارزة: مرحلة الطفولة.
ثم بلوغ الأشد حوالي الثلاثين. ثم الشيخوخة. وهي المراحل التي تمثل أقصى القوة بين طرفين من الضعف.
«وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ» أن يبلغ هذه المراحل جميعا أو بعضها. «وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى» مقدرا معلوما لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون. «وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» .. فمتابعة رحلة الجنين. ورحلة الوليد. وتدبر ما تشيران إليه من حسن الخلق والتقدير، مما للعقل فيه دور كبير..
ورحلة الجنين رحلة عجيبة ممتعة حقا. وقد عرفنا الكثير عنها بعد تقدم الطب وعلم الأجنة بشكل خاص.
ولكن إشارة القرآن إليها بهذه الدقة منذ حوالي أربعة عشر قرنا أمر يستوقف النظر. ولا يمكن أن يمر عليه عاقل دون أن يقف أمامه يتدبره ويفكر فيه.
ورحلة الجنين ورحلة الطفل كلتاهما توقع على الحس البشري وتلمس القلب الإنساني في أي بيئة وفي أي

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3095
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست