responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3090
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»
.. الذي يسمع ويرى، والكبر الذميم يتمثل في حركة ترى وفي كلام يسمع. فهو يكل أمره إلى السميع البصير يتولاه بما يراه.
ثم يكشف للإنسان عن وضعه الحقيقي في هذا الكون الكبير. وعن ضآلته بالقياس إلى بعض خلق الله الذي يراه الناس، ويدركون ضخامته بمجرد الرؤية، ويزيدون شعورا به حين يعلمون حقيقته:
«لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» .
والسماوات والأرض معروضتان للإنسان يراهما، ويستطيع أن يقيس نفسه إليهما. ولكنه حين «يعلم» حقيقة النسب والأبعاد وحقيقة الأحجام والقوى، يطامن من كبريائه، ويتصاغر ويتضاءل حتى ليكاد يذوب من الشعور بالضئالة. إلا أن يذكر العنصر العلوي الذي أودعه الله إياه، والذي من أجله كرمه. فهو وحده الذي يمسك به أمام عظمة هذا الكون الهائل العظيم..
ولمحة خاطفة عن السماوات والأرض تكفي لهذا الإدراك.
هذه الأرض التي نحيا عليها تابع صغير من توابع الشمس تبلغ كتلتها ثلاثة من مليون من كتلة الشمس! ويبلغ حجمها أقل من واحد من مليون من حجم الشمس.
وهذه الشمس واحدة من نحو مائة مليون من الشموس في المجرة القريبة منا والتي نحن منها. وقد كشف البشر- حتى اليوم- نحو مائة مليون من هذه المجرات! متناثرة في الفضاء الهائل من حولها تكاد تكون تائهة فيه! والذي كشفه البشر جانب ضئيل صغير لا يكاد يذكر من بناء الكون! وهو- على ضآلته- هائل شاسع يدير الرؤوس مجرد تصوره. فالمسافة بيننا وبين الشمس نحو من ثلاثة وتسعين مليونا من الأميال. ذلك أنها رأس أسرة كوكبنا الأرضي الصغير. بل هي- على الأرجح- أم هذه الأرض الصغيرة. ولم تبعد أرضنا عن أحضان أمها بأكثر من هذه المسافة: ثلاثة وتسعين مليونا من الأميال! أما المجرة التي تتبعها الشمس فقطرها نحو من مائة ألف مليون سنة.. ضوئية.. والسنة الضوئية تعني مسافة ست مائة مليون ميل! لأن سرعة الضوء هي ستة وثمانون ومائة ألف ميل في الثانية! وأقرب المجرات الأخرى إلى مجرتنا تبعد عنا بنحو خمسين وسبعمائة ألف سنة ضوئية..!
ونذكر مرة أخرى أن هذه المسافات وهذه الأبعاد وهذه الأحجام هي التي استطاع علم البشر الضئيل أن يكشف عنها. وعلم البشر هذا يعترف أن ما كشفه قطاع صغير في هذا الكون العريض! والله- سبحانه- يقول:
«لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» ..
وليس على قدرة الله أكبر ولا أصغر. ولا أصعب ولا أيسر. فهو خالق كل شيء بكلمة.. إنما هي الأشياء كما تبدو في طبيعتها، وكما يعرفها الناس ويقدرونها.. فأين الإنسان من هذا الكون الهائل؟ وأين يبلغ به كبره من هذا الخلق الكبير؟
«وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ» .. «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ» .. فالبصير يرى ويعلم ويعرف قدره وقيمته، ولا يتطاول، ولا ينتفخ ولا يتكبر لأنه يرى ويبصر. والأعمى لا يرى ولا يعرف مكانه، ولا نسبته إلى ما حوله، فيخطئ تقدير نفسه وتقدير ما يحيط به، ويتخبط هنا وهنالك من سوء التقدير..
وكذلك لا يستوي الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمسيء. إن أولئك أبصروا وعرفوا فهم يحسنون التقدير.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3090
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست