responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3089
من التسليم بالحق وهم أصغر وأضأل من هذا الكبر الذي يحيك في الصدور.
ومن ثم يجيء التنبيه إلى عظمة هذا الكون الذي خلقه الله، وصغر الناس جميعا بالقياس إلى السماوات والأرض. ويمضي الدرس يعرض بعض الآيات الكونية. وفضل الله في تسخير بعضها للناس وهم أصغر منها وأضأل. ويشير إلى فضل الله على الناس في ذوات أنفسهم. وهذه وتلك تشهد بوحدانية المبدع الذي يشركون به.
ويوجه الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- إلى الجهر بكلمة التوحيد والإعراض عما يعبدون من دون الله. وينتهي الشوط بمشهد عنيف من مشاهد القيامة يسألون فيه عما يشركون سؤال التبكيت والترذيل. ويختم كما ختم الشوط الماضي. بتوجيه النبي- صلّى الله عليه وسلّم- إلى الصبر سواء أبقاه الله ليشهد بعض ما وعدهم، أم توفاه إليه قبل مجيء وعد الله. فالأمر لله. وهم إليه راجعون على كل حال.
«إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ، إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ. فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ، قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ. إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ. وَقالَ رَبُّكُمُ: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ» ..
إن هذا المخلوق الإنساني لينسى نفسه في أحيان كثيرة، ينسى أنه كائن صغير ضعيف، يستمد القوة لا من ذاته، ولكن من اتصاله بمصدر القوة الأول. من الله. فيقطع اتصاله هذا ثم يروح ينتفخ، ويورم، ويتشامخ، ويتعالى. يحيك في صدره الكبر. يستمده من الشيطان الذي هلك بهذا الكبر. ثم سلط على الإنسان فأتاه من قبله! وإنه ليجادل في آيات الله ويكابر. وهي ظاهرة ناطقة معبرة للفطرة بلسان الفطرة. وهو يزعم لنفسه وللناس أنه إنما يناقش لأنه لم يقتنع، ويجادل لأنه غير مستيقن. والله العليم بعباده، السميع البصير المطلع على السرائر، يقرر أنه الكبر. والكبر وحده. هو الذي يحيك في الصدر. وهو الذي يدعو صاحبه إلى الجدال فيما لا جدال فيه. الكبر والتطاول إلى ما هو أكبر من حقيقته. ومحاولة أخذ مكان ليس له، ولا تؤهله له حقيقته. وليست له حجة يجادل بها، ولا برهان يصدع به. إنما هو ذلك الكبر وحده:
«إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ، إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ» ..
ولو أدرك الإنسان حقيقته وحقيقة هذا الوجود. ولو عرف دوره فأتقنه ولم يحاول أن يتجاوزه. ولو اطمأن إلى أنه كائن مما لا يحصى عدده من كائنات مسخرة بأمر خالق الوجود، وفق تقديره الذي لا يعلمه إلا هو، وأن دوره مقدر بحسب حقيقته في كيان هذا الوجود.. لو أدرك هذا كله لاطمأن واستراح، ولتطامن كذلك وتواضع، وعاش في سلام مع نفسه ومع الكون حوله. وفي استسلام لله وإسلام.
«فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» ..
والاستعاذة بالله في مواجهة الكبر توحي باستبشاعه واستفظاعه. فالإنسان إنما يستعيذ بالله من الشيء الفظيع القبيح، الذي يتوقع منه الشر والأذى.. وفي الكبر هذا كله. وهو يتعب صاحبه ويتعب الناس من حوله وهو يؤذي الصدر الذي يحيك فيه ويؤذي صدور الآخرين. فهو شر يستحق الاستعاذة بالله منه.. «إِنَّهُ هُوَ

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3089
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست