responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3085
يَوْماً مِنَ الْعَذابِ»
.. يوما. يوما فقط. يوما يلقطون فيه أنفاسهم ويستريحون. فيوم واحد يستحق الشفاعة واللهفة والدعاء.
ولكن خزنة جهنم لا يستجيبون لهذه الضراعة البائسة الذليلة الملهوفة. فهم يعرفون الأصول. ويعرفون سنة الله، ويعرفون أن الأوان قد فات. وهم لهذا يزيدون المعذبين عذابا بتأنيبهم وتذكيرهم بسبب هذا العذاب:
«قالُوا: أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ؟ .. قالُوا: بَلى» .
وفي السؤال وفي جوابه ما يغني عن كل حوار. وعندئذ نفض الخزنة أيديهم منهم، وأسلموهم إلى اليأس مع السخرية والاستهتار:
«قالُوا: فَادْعُوا» ..
إن كان الدعاء يغير من حالكم شيئا، فتولوا أنتم الدعاء.
وتعقب الآية قبل تمامها على هذا الدعاء:
«وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ» ..
لا يبلغ. ولا يصل. ولا ينتهي إلى جواب. إنما هو الإهمال والازدراء للكبراء والضعفاء سواء.
عند هذا الموقف الحاسم يجيء التعقيب الأخير على الحلقة كلها، وعلى ما تقدمها من الإشارة إلى الأحزاب التي تعرضت لبأس الله، بعد التكذيب والاستكبار.
«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ. يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ، وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ. فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ. وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ.» ..
هذا التعقيب الجازم، يناسب ذلك الموقف الحاسم. ولقد اطلعت منه البشرية على مثل من نهاية الحق والباطل.
نهايتهما في هذه الأرض ونهايتهما كذلك في الآخرة. ورأت كيف كان مصير فرعون وملئه في الحياة الدنيا، كما رأوهم يتحاجون في النار، وينتهون إلى إهمال وصغار. وذلك هو الشأن في كل قضية كما يقرر القرآن:
«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ. يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» ..
فأما في الآخرة فقد لا يجادل أحد من المؤمنين بالآخرة في هذه النهاية. ولا يجد ما يدعوه إلى المجادلة.
وأما النصر في الحياة الدنيا فقد يكون في حاجة إلى جلاء وبيان.
إن وعد الله قاطع جازم: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا..» .. بينما يشاهد الناس أن الرسل منهم من يقتل ومنهم من يهاجر من أرضه وقومه مكذبا مطرودا، وأن المؤمنين فيهم من يسام العذاب، وفيهم من يلقى في الأخدود، وفيهم من يستشهد، وفيهم من يعيش في كرب وشدة واضطهاد.. فأين وعد الله لهم بالنصر في الحياة الدنيا؟ ويدخل الشيطان إلى النفوس من هذا المدخل، ويفعل بها الأفاعيل! ولكن الناس يقيسون بظواهر الأمور. ويغفلون عن قيم كثيرة وحقائق كثيرة في التقدير.
إن الناس يقيسون بفترة قصيرة من الزمان، وحيز محدود من المكان. وهي مقاييس بشرية صغيرة. فأما المقياس الشامل فيعرض القضية في الرقعة الفسيحة من الزمان والمكان، ولا يضع الحدود بين عصر وعصر

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3085
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست