responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3069
«ذِي الطَّوْلِ» .. الذي يتفضل بالإنعام، ويضاعف الحسنات، ويعطي بغير حساب.
«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» .. فله الألوهية وحده لا شريك له فيها ولا شبيه.
«إِلَيْهِ الْمَصِيرُ» .. فلا مهرب من حسابه ولا مفر من لقائه. وإليه الأوبة والمعاد.
وهكذا تتضح صلته بعباده وصلة عباده به. تتضح في مشاعرهم وتصوراتهم وإدراكهم، فيعرفون كيف يعاملونه في يقظة وفي حساسية وفي إدراك لما يغضبه وما يرضيه.
وقد كان أصحاب العقائد الأسطورية يعيشون مع آلهتهم في حيرة، لا يعرفون عنها شيئا مضبوطا ولا يتبينون ماذا يسخطها وماذا يرضيها، ويصورونها متقلبة الأهواء، غامضة الاتجاهات، شديدة الانفعالات، ويعيشون معها في قلق دائم يتحسسون مواضع رضاها، بالرقى والتمائم والضحايا والذبائح، ولا يدرون سخطت أم رضيت إلا بالوهم والتخمين! فجاء الإسلام واضحا ناصعا، يصل الناس بإلههم الحق، ويعرفهم بصفاته، ويبصرهم بمشيئته ويعلمهم كيف يتقربون إليه، وكيف يرجون رحمته، ويخشون عذابه، على طريق واضح قاصد مستقيم.
«ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا» ، فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ، وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ، فَأَخَذْتُهُمْ، فَكَيْفَ كانَ عِقابِ؟ وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ» ..
بعد تقرير تلك الصفات العلوية، وتقرير الوحدانية، يقرر أن هذه الحقائق مسلمة من كل من في الوجود، وكل ما في الوجود، ففطرة الوجود كله مرتبطة بهذه الحقائق، متصلة بها الاتصال المباشر، الذي لا تجادل فيه ولا تماحل. والوجود كله مقتنع بآيات الله الشاهدة بحقيقته ووحدانيته. وما من أحد يجادل فيها إلا الذين كفروا وحدهم، شذوذا عن كل ما في الوجود وكل من في الوجود:
«ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا» ..
فهم وحدهم من بين هذا الوجود الهائل يشذون وهم وحدهم من بين هذا الخلق العظيم ينحرفون. وهم- بالقياس إلى هذا الوجود- أضعف وأقل من النمل بالقياس إلى هذه الأرض. وهم حين يقفون في صف يجادلون في آيات الله ويقف الوجود الهائل كله في صف معترفا بخالق الوجود مستندا إلى قوة العزيز الجبار.. هم في هذا الموقف مقطوع بمصيرهم، مقضي في أمرهم مهما تبلغ قوتهم ومهما يتهيأ لهم من أسباب المال والجاه والسلطان:
«فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ» ..
فمهما تقلبوا، وتحركوا، وملكوا، واستمتعوا، فهم إلى اندحار وهلاك وبوار. ونهاية المعركة معروفة.
إن كان ثمت معركة يمكن أن تقوم بين قوة الوجود وخالقه، وقوة هؤلاء الضعاف المساكين! ولقد سبقتهم أقوام وأحزاب على شاكلتهم، توحي عاقبتهم بعاقبة كل من يقف في وجه القوة الطاحنة العارمة التي يتعرض لها من يعرض نفسه لبأس الله:
«كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، فأخذتهم، فكيف كان عقاب

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3069
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست