نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3062
وكل ما يرد في القرآن وفي الحديث من هذه الصور والمشاهد إنما هو تقريب للحقائق التي لا يملك البشر إدراكها بغير أن توضع لهم في تعبير يدركونه، وفي صورة يتصورونها. ومنه هذا التصوير لجانب من حقيقة القدرة المطلقة، التي لا تتقيد بشكل، ولا تتحيز في حيز، ولا تتحدد بحدود [1] .
ثم يأخذ في مشهد من مشاهد القيامة يبدأ بالنفخة الأولى، وينتهي بانتهاء الموقف، وسوق أهل النار إلى النار. وأهل الجنة إلى الجنة. وتفرد الله ذي الجلال. وتوجه الوجود لذاته بالتسبيح والتحميد.
وهو مشهد رائع حافل، يبدأ متحركا، ثم يسير وئيدا، حتى تهدأ كل حركة، وتسكن كل نأمة، ويخيم على ساحة العرض جلال الصمت، ورهبة الخشوع، بين يدي الله الواحد القهار! ها هي ذي الصيحة الأولى تنبعث، فيصعق من يكون باقيا على ظهر الأرض من الأحياء، ومن في السماوات كذلك- إلا من شاء الله- ولا نعلم كم يمضي من الوقت حتى تنبعث الصيحة الثانية:
«وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ. ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ» ..
ولا تذكر الصيحة الثالثة هنا. صيحة الحشر والتجميع. ولا تصور ضجة الحشر وعجيج الزحام. لأن هذا المشهد يرسم هنا في هدوء، ويتحرك في سكون.
«وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها» ..
أرض الساحة التي يتم فيها الاستعراض. ونور ربها الذي لا نور غيره في هذا المقام..
«وَوُضِعَ الْكِتابُ» .. الحافظ لأعمال العباد..
«وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ» .. ليقولوا كلمة الحق التي يعلمون.. وطوي كل خصام وجدال- في هذا المشهد- تنسيقا لجوه مع الجلال والخشوع الذي يسود الموقف العام:
«وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ» ..
فلا حاجة إلى كلمة تقال، ولا إلى صوت واحد يرتفع. ومن ثم تجمل وتطوى عملية الحساب والسؤال والجواب التي تعرض في مشاهد أخرى. لأن المقام هنا مقام روعة وجلال.
«وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً» . «حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها» ..
واستقبلهم خزنتها يسجلون استحقاقهم لها ويذكرونهم بأسباب مجيئهم إليها:
«وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا» ؟
«قالُوا: بَلى. وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ» ..
فالموقف موقف إذعان وتسليم. لا موقف مخاصمة ولا مجادلة. وهم مقرون مستسلمون! «قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها. فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» ! ذلك ركب جهنم ركب المتكبرين. فكيف ركب الجنة؟ ركب المتقين؟ [1] يراجع بتوسع فصل: التصوير الفني. وفصل: التخييل الحسي والتجسيم. وفي كتاب: التصوير الفني في القرآن «دار الشروق» . [.....]
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3062