نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3061
«اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» ..
إنها الحقيقة التي ينطق بها كل شيء. فما يملك أحد أن يدعي أنه خلق شيئا. وما يملك عقل أن يزعم أن هذا الوجود وجد من غير مبدع. وكل ما فيه ينطق بالقصد والتدبير وليس أمر من أموره متروكا لقى أو للمصادفة من الصغير إلى الكبير: «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» .. وإلى الله قياد السماوات والأرض. فهو يصرفها وفق ما يريد وهي تسير وفق نظامه الذي قدره وما تتدخل إرادة غير إرادته في تصريفها، على ما تشهد الفطرة، وينطق الواقع، ويقر العقل والضمير.
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» ..
خسروا لإدراك الذي يجعل حياتهم في الأرض متسقة مع حياة الكون كله وخسروا راحة الهدى وجمال الإيمان وطمأنينة الاعتقاد وحلاوة اليقين. وخسروا في الآخرة أنفسهم وأهليهم. فهم الخاسرون الذين ينطبق عليهم لفظ «الْخاسِرُونَ» ! وعلى ضوء هذه الحقيقة التي تنطق بها السماوات والأرض، ويشهد بها كل شيء في الوجود، يلقن الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- استنكار ما يعرضونه عليه من مشاركتهم عبادة آلهتهم في مقابل أن يعبدوا معه إلهه. كأن الأمر أمر صفقة يساوم عليها في السوق! «قُلْ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ؟» ..
وهو الاستنكار الذي تصرخ به الفطرة في وجه هذا العرض السخيف الذي ينبئ عن الجهل المطلق المطبق المطموس.
ويعقب عليه بتحذير من الشرك. يبدأ أول ما يبدأ بالأنبياء والمرسلين. وهم- صلوات الله عليهم- لا يتطرق إلى قلوبهم طائف الشرك أبدا. ولكن التحذير هنا ينبه سواهم من أقوامهم إلى تفرد ذات الله سبحانه في مقام العبادة، وتوحد البشر في مقام العبودية، بما فيهم الأنبياء والمرسلون:
«وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» ..
ويختم هذا التحذير من الشرك بالأمر بالتوحيد. توحيد العبادة والشكر على الهدى واليقين، وعلى آلاء الله التي تغمر عباده، ويعجزون عن إحصائها، وهم فيها مغمورون:
«بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ» ..
«وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» ..
نعم. ما قدروا الله حق قدره، وهم يشركون به بعض خلقه. وهم لا يعبدونه حق عبادته. وهم لا يدركون وحدانيته وعظمته. وهم لا يستشعرون جلاله وقوته.
ثم يكشف لهم عن جانب من عظمة الله وقوته. على طريقة التصوير القرآنية، التي تقرب للبشر الحقائق الكلية في صورة جزئية، يتصورها إدراكهم المحدود:
«وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ. وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3061