نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3024
مقيئ. إنه ما يغسق ويسيل من أهل النار! أو لهم صنوف أخرى من جنس هذا العذاب. يعبر عنها بأنها «أَزْواجٌ» ! ثم يتم المشهد بمنظر ثالث حي شاخص بما فيه من حوار: فها هي ذي جماعة من أولئك الطاغين من أهل جهنم. كانت في الدنيا متوادة متحابة. فهي اليوم متناكرة متنابذة كان بعضهم يملي لبعض في الضلال. وكان بعضهم يتعالى على المؤمنين، ويهزأ من دعوتهم ودعواهم في النعيم. كما يصنع الملأ من قريش وهم يقولون:
«أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؟» ..
ها هم أولاء يقتحمون النار فوجا بعد فوج وها هم أولاء يقول بعضهم لبعض: «هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ» ..
فماذا يكون الجواب؟ يكون الجواب في اندفاع وحنق: «لا مرحبا بهم إنهم صالو النار» ! فهل يسكت المشتومون؟
كلا! إنهم يردون: «قالُوا: بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ. أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ!» .. فلقد كنتم أنتم السبب في هذا العذاب. وإذا دعوة فيها الحنق والضيق والانتقام: «قالُوا: رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ» ! ثم ماذا؟ ثم ها هم أولاء يفتقدون المؤمنين، الذين كانوا يتعالون عليهم في الدنيا، ويظنون بهم شرا، ويسخرون من دعواهم في النعيم. ها هم أولاء يفتقدونهم فلا يرونهم معهم مقتحمين في النار، فيتساءلون: أين هم؟ أين ذهبوا؟ أم تراهم هنا ولكن زاغت عنهم أبصارنا؟: «وَقالُوا: ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا [1] ؟ أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ؟» .. بينما هؤلاء الرجال الذين يتساءلون عنهم هناك في الجنان! ويختم المشهد بتقرير واقع أهل النار:
«إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ» !! فما أبعد مصيرهم عن مصير المتقين. الذين كانوا يسخرون منهم، ويستكثرون اختيار الله لهم. وما أبأس نصيبهم الذي كانوا يستعجلون به وهم يقولون: «رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ» !