نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3016
هذا الدرس كله قصص وأمثلة من حياة الرسل- صلوات الله عليهم- تعرض كي يذكرها رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ويدع ما يعانيه من قومه من تكذيب واتهام وتعجيب وافتراء ويصبر على ما يواجهونه به مما تضيق به الصدور.
وهذا القصص يعرض- في الوقت ذاته- آثار رحمة الله بالرسل قبله: وما أغدق عليهم من نعمة وفضل، وما آتاهم من ملك وسلطان ومن رعاية وإنعام. وذلك ردا على عجب قومه من اختيار الله له. وما هو ببدع من الرسل. وفيهم من آتاه الله إلى جانب الرسالة الملك والسلطان وفيهم من سخر له الجبال يسبحن معه والطير وفيهم من سخر له الريح والشياطين.. كداود وسليمان.. فما وجه العجب في أن يختار الله محمدا الصادق لينزل عليه الذكر من بين قريش في آخر الزمان؟
كذلك يصور هذا القصص رعاية الله الدائمة لرسله، وحياطتهم بتوجيهه وتأديبه. فقد كانوا بشرا- كما أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم بشر- وكان فيهم ضعف البشر. وكان الله يرعاهم فلا يدعهم لضعفهم إنما يبين لهم ويوجههم، ويبتليهم ليغفر لهم ويكرمهم. وفي هذا ما يطمئن قلب الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- إلى رعاية ربه له، وحمايته وحياطته في كل خطوة يخطوها في حياته.
«اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ، وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ، إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ. وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ. وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ» ..
«اصْبِرْ» .. إنها الإشارة إلى الطريق المطروق في حياة الرسل- عليهم صلوات الله- الطريق الذي يضمهم أجمعين. فكلهم سار في هذا الطريق. كلهم عانى. وكلهم ابتلي. وكلهم صبر. وكان الصبر هو زادهم جميعا وطابعهم جميعا. كل حسب درجته في سلم الأنبياء.. لقد كانت حياتهم كلها تجربة مفعمة بالابتلاءات مفعمة بالآلام وحتى السراء كانت ابتلاء وكانت محكا للصبر على النعماء بعد الصبر على الضراء. وكلتاهما في حاجة إلى الصبر والاحتمال..
ونستعرض حياة الرسل جميعا- كما قصها علينا القرآن الكريم- فنرى الصبر كان قوامها، وكان العنصر البارز فيها. ونرى الابتلاء والامتحان كان مادتها وماءها..
لكأنما كانت تلك الحياة المختارة- بل إنها لكذلك- صفحات من الابتلاء والصبر معروضة للبشرية، لتسجل كيف تنتصر الروح الإنسانية على الآلام والضرورات وكيف تستعلي على كل ما تعتز به في الأرض وتتجرد من الشهوات والمغريات وتخلص لله وتنجح في امتحانه، وتختاره على كل شيء سواه.. ثم لتقول للبشرية في النهاية: هذا هو الطريق. هذا هو الطريق إلى الاستعلاء، وإلى الارتفاع. هذا هو الطريق إلى الله.
«اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ» .. وقد قالوا: «هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ» .. وقالوا: «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً؟ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ» .. وقالوا: «أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؟» .. وغير ذلك كثير. والله يوجه نبيه إلى الصبر على ما يقولون. ويوجهه إلى أن يعيش بقلبه مع نماذج أخرى غير هؤلاء الكفار. نماذج مستخلصة كريمة.
هم إخوانه من الرسل الذين كان يذكرهم- صلّى الله عليه وسلّم- ويحسن بالقرابة الوثيقة بينه وبينهم ويتحدث عنهم حديث الأخوة والنسب والقرابة. وهو يقول.. رحم الله أخي فلانا.. أو أنا أولى بفلان.
«اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3016