نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3014
إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ»
..
فهذه أمثلة ممن سبقوا قريشا في التاريخ. قوم نوح. وعاد. وفرعون صاحب الأهرام التي تقوم في الأرض كالأوتاد. وثمود. وقوم لوط. وقوم شعيب أصحاب الأيكة- الغابة الملتفة- «أُولئِكَ الْأَحْزابُ» ! الذين كذبوا الرسل. فماذا كان من شأنهم وهم طغاة بغاة متجبرون؟ .. «فَحَقَّ عِقابِ» .. وكان ما كان من أمرهم.
وذهبوا فلم يبق منهم غير آثار تنطق بالهزيمة والاندحار! ذلك كان شأن الأحزاب الغابرة في التاريخ.. فأما هؤلاء فمتروكون- في عمومهم- إلى الصيحة التي تنهي الحياة في الأرض قبيل يوم الحساب:
«وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ» ..
هذه الصيحة إذا جاءت لا تستأخر ولو فترة قصيرة مقدار فواق ناقة. وهي المسافة بين الحلبتين! لأنها تجيء في موعدها المحدد، الذي لا يستقدم ولا يستأخر. كما قدر الله لهذه الأمة الأخيرة أن ينظرها ويمهلها، فلا يأخذها بالدمار والهلاك كما أخذ من قبل أولئك الأحزاب.
وكان هذا رحمة بهم من الله. ولكنهم لم يعرفوا قدر هذه الرحمة، ولم يشكروا لله هذه المنة. فاستعجلوا جزاءهم، وطلبوا أن يوفيهم الله حظهم ونصيبهم، قبل اليوم الذي أنظرهم إليه:
«وَقالُوا: رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ» ..
وعند هذا الحد يتركهم السياق ويلتفت إلى الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- يسليه عن حماقة القوم وسوء أدبهم مع الله، واستعجالهم بالجزاء، وتكذيبهم بالوعيد، وكفرهم برحمة الله.. ويدعوه أن يذكر ما وقع للرسل قبله من ابتلاء. وما نالهم من رحمة الله بعد البلاء..