responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3013
«بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي. بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ» ..
إنهم يسألون: «أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا!» .. وهم في شك من الذكر ذاته، لم تستيقن نفوسهم أنه من عند الله وإن كانوا يمارون في حقيقته، وهو فوق المألوف من قول البشر مما يعرفون.
ثم يضرب عن قولهم في الذكر، وعن شكهم فيه، ليستقبل بهم تهديدا بالعذاب، «بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ» ..
وكأنما ليقول: إنهم يقولون ما يقولون لأنهم في منجاة بعد من العذاب فأما حين يذوقونه فلن يقولوا من هذا شيئا، لأنهم حينئذ سيعرفون! ثم يعقب على استكثارهم رحمة الله لمحمد في اختياره رسولا من بينهم، بسؤالهم إن كانوا يملكون خزائن رحمة الله، حتى يتحكموا فيمن يعطون ومن يمنعون:
«أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ؟» ..
ويندد بسوء أدبهم مع الله، وتدخلهم فيما ليس من شأن العبيد. والله يعطي من يشاء ويمنع من يريد. وهو العزيز القادر الذي لا يملك أحد أن يقف لإرادته. وهو الوهاب الكريم الذي لا ينفد عطاؤه.
وهم يستكثرون على محمد- صلّى الله عليه وسلّم- أن يختاره الله. فبأي حق وبأية صفة يوزعون عطاء الله؟
وهم لا يملكون خزائن رحمته؟! «أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما؟» ..
وهي دعوى لا يجرؤون على ادعائها. ومالك السماوات والأرض وما بينهما هو الذي يمنح ويمنع، ويصطفي من يشاء ويختار. وإذ لم يكن لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فما بالهم يدخلون في شؤون المالك المتصرف فيما يملك بما يشاء؟
وعلى سبيل التهكم والتبكيت عقب على السؤال عما إذا كان لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما. بأنه إن كان الأمر كذلك «فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ» .. ليشرفوا على السماوات والأرض وما بينهما، ويتحكموا في خزائن الله ويعطوا من يشاءون ويمنعوا من يشاءون. كما هو مقتضى اعتراضهم على اختيار الله المالك المتصرف فيما يملك بما يشاء! ثم أنهى هذا الفرض التهكمي بتقرير حقيقتهم الواقعية:
«جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ» ..
إنهم ما يزيدون على أن يكونوا جندا مهزوما ملقى «هُنالِكَ» بعيدا لا يقرب من تصريف هذا الملك وتدبير تلك الخزائن. ولا شأن له فيما يجري في ملك الله ولا قدره له على تغيير إرادة الله ولا قوة له على اعتراض مشيئة الله.. «جُنْدٌ ما» .. جند مجهول منكر هين الشأن، «مَهْزُومٌ» .. كأن الهزيمة صفة لازمة له، لا صقة به، مركبة في كيانه! «مِنَ الْأَحْزابِ» .. المختلفة الاتجاهات والأهواء! وما يبلغ أعداء الله ورسوله إلا أن يكونوا في هذا الموضع الذي تصوره ظلال التعبير القرآني، الموحية بالعجز والضعف والبعد عن دائرة التصريف والتدبير.. مهما تبلغ قوتهم، ويتطاول بطشهم، ويتجبروا في الأرض فترة من الزمان.
ويضرب الله الأمثال لأولئك المتجبرين على مدار القرون فإذا هم «جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ» :
«كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ، وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ. أُولئِكَ الْأَحْزابُ.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3013
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست