responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3008
«ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ..!» .. «هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ» .. «إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ» .. إلخ وقصة العجب من أن يكون الرسول بشرا قصة قديمة، مكرورة معادة، قالها كل قوم وتعللوا بها منذ بدء الرسالات. وتكرر إرسال الرسل من البشر وظل البشر مع هذا يكررون الاعتراض:
«وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ» ..
وأوجب شيء وأقرب شيء إلى الحكمة والمنطق أن يكون المنذر منهم. بشرا يدرك كيف يفكر البشر وكيف يشعرون ويحس ما يعتلج في نفوسهم، وما يشتجر في كيانهم، وما يعانون من نقص وضعف، وما يجدون من ميول ونزعات، وما يستطيعون أولا يستطيعون من جهد وعمل، وما يعترضهم من عوائق وعقبات، وما يعتريهم من مؤثرات واستجابات..
بشرا يعيش بين البشر- وهو منهم- فتكون حياته قدوة لهم وتكون لهم فيه أسوة. وهم يحسون أنه واحد منهم، وأن بينهم وبينه شبها وصلة. فهم مطالبون إذن بالمنهج الذي يأخذ به نفسه، ويدعوهم لاتباعه. وهم قادرون على الأخذ بهذا المنهج فقد حققه أمامهم بشر منهم في واقع حياته..
بشرا منهم. من جيلهم. ومن لسانهم. يعرف مصطلحاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وتفصيلات حياتهم. ويعرفون لغته، ويفهمون عنه، ويتفاهمون معه، ويتجاوبون وإياه. ومن ثم لا تقوم بينه وبينهم جفوة من اختلاف جنسه. أو اختلاف لغته. أو اختلاف طبيعة حياته أو تفصيلات حياته.
ولكن أوجب شيء وأقربه إلى أن يكون، هو الذي كان دائما موضع العجب، ومحط الاستنكار، وموضوع التكذيب! ذلك أنهم كانوا لا يدركون حكمة هذا الاختيار كما كانوا يخطئون تصور طبيعة الرسالة. وبدلا من أن يروها قيادة واقعية للبشرية في الطريق إلى الله. كانوا يتصورونها خيالية غامضة محوطة بالأسرار التي لا يصح أن تكون مفهومة هكذا وقريبة! كانوا يريدونها مثلا خيالية طائرة لا تلمس بالأيدي، ولا تبصر في النور، ولا تدرك في وضوح، ولا تعيش واقعية في دنيا الناس! وعندئذ يستجيبون لها كأسطورة غامضة كما كانوا يستجيبون للأساطير التي تؤلف عقائدهم المتهافتة! ولكن الله أراد للبشرية- وبخاصة في الرسالة الأخيرة- أن تعيش بهذه الرسالة عيشة طبيعية واقعية. عيشة طيبة ونظيفة وعالية، ولكنها حقيقة في هذه الأرض. لا وهما ولا خيالا ولا مثلا طائرا في سماء الأساطير والأحلام! يعز على التحقيق ويهرب في ضباب الخيالات والأوهام! «وَقالَ الْكافِرُونَ: هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ» ..
قالوا كذلك استبعادا لأن يكون الله قد أوحى إلى رجل منهم. وقالوه كذلك تنفيرا للعامة من محمد- صلّى الله عليه وسلّم- وتهويشا على الحق الواضح في حديثه، والصدق المعروف عن شخصه.
والحق الذي لا مرية فيه أن كبراء قريش لم يصدقوا أنفسهم لحظة وهم يقولون عن محمد بن عبد الله- صلّى الله عليه وسلّم- الذي يعرفونه حق المعرفة: إنه ساحر وإنه كذاب! إنما كان هذا سلاحا من أسلحة التهويش والتضليل وحرب الخداع التي يتقنها الكبراء ويتخذونها لحماية أنفسهم ومراكزهم من خطر الحق الذي يتمثل في هذه العقيدة ويزلزل القيم الزائفة والأوضاع الباطلة التي يستند إليها أولئك الكبراء! ولقد نقلنا من قبل وننقل هنا واقعة الاتفاق بين كبراء قريش على استخدام حرب الدعاية ضد محمد- صلّى الله عليه وسلّم- والحق الذي جاء به، لحماية أنفسهم وأوضاعهم بين الجماهير في مكة. ولصد القبائل التي كانت تفد إلى مكة في موسم الحج، عن الدين الجديد وصاحبه- صلّى الله عليه وسلّم-.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3008
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست