responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2977
«أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ. قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ. إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ. فَيَكُونُ» ..
ويبدأ هذا المقطع بمواجهة الإنسان بواقعه هو ذاته في خاصة نفسه. وهذا الواقع يصور نشأته وصيرورته مما يراه واقعا في حياته، ويشهده بعينه وحسه مكررا معادا. ثم لا ينتبه إلى دلالته، ولا يتخذ منه مصداقا لوعد الله ببعثه ونشوره بعد موته ودثوره..
«أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» ..
فما النطفة التي لا يشك الإنسان في أنها أصله القريب؟ إنها نقطة من ماء مهين، لا قوام ولا قيمة! نقطة من ماء تحوي ألوف الخلايا.. خلية واحدة من هذه الألوف هي التي تصير جنينا. ثم تصير هذا الإنسان الذي يجادل ربه ويخاصمه ويطلب منه البرهان والدليل! والقدرة الخالقة هي التي تجعل من هذه النطفة ذلك الخصيم المبين. وما أبعد النقلة بين المنشأ والمصير! أفهذه القدرة يستعظم الإنسان عليها أن تعيده وتنشره بعد البلى والدثور؟
«وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا- وَنَسِيَ خَلْقَهُ- قالَ: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» ..
يا للبساطة! ويا لمنطق الفطرة! ومنطق الواقع القريب المنظور! وهل تزيد النطفة حيوية أو قدرة أو قيمة على العظم الرميم المفتوت؟ أو ليس من تلك النطفة كان الإنسان؟
أو ليست هذه هي النشأة الأولى؟ أو ليس الذي حول تلك النطفة إنسانا، وجعله خصيما مبينا بقادر على أن يحول العظم الرميم مخلوقا حيا جديدا؟
إن الأمر أيسر وأظهر من أن يدور حوله سؤال. فما بال الجدل الطويل؟! «قُلْ: يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» ..
ثم يزيدهم إيضاحا لطبيعة القدرة الخالقة، وصنعها فيما بين أيديهم وتحت أعينهم مما يملكون:
«الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ» ..
والمشاهدة الأولية الساذجة تقنع بصدق هذه العجيبة! العجيبة التي يمرون عليها غافلين. عجيبة أن هذا الشجر الأخضر الريان بالماء، يحتك بعضه ببعض فيولد نارا ثم يصير هو وقود النار. بعد اللدونة والاخضرار..
والمعرفة العلمية العميقة لطبيعة الحرارة التي يختزنها الشجر الأخضر من الطاقة الشمسية التي يمتصها، ويحتفظ بها وهو ريان بالماء ناضر بالخضرة والتي تولد النار عند الاحتكاك، كما تولد النار عند الاحتراق.. هذه المعرفة العلمية تزيد العجيبة بروزا في الحس ووضوحا. والخالق هو الذي أودع الشجر خصائصه هذه. والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. غير أننا لا نرى الأشياء بهذه العين المفتوحة ولا نتدبرها بذلك الحس الواعي.
فلا تكشف لنا عن أسرارها المعجبة. ولا تدلنا على مبدع الوجود. ولو فتحنا لها قلوبنا لباحت لنا بأسرارها، ولعشنا معها في عبادة دائمة وتسبيح! ثم يستطرد في عرض دلائل القدرة وتبسيط قضية الخلق والإعادة للبشر أجمعين:
«أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ» ..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2977
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست