نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2976
أو تفكير.. إنها هذه الأنعام التي خلقها الله لهم وملكهم إياها. وذللها لهم يركبونها ويأكلون منها ويشربون ألبانها، وينتفعون بها منافع شتى.. وكل ذلك من قدرة الله وتدبيره ومن إيداعه ما أودع من الخصائص في الناس وفي الأنعام، فجعلهم قادرين على تذليلها واستخدامها والانتفاع بها. وجعلها مذللة نافعة ملبية لشتى حاجات الإنسان. وما يملك الناس أن يصنعوا من ذلك كله شيئا. وما يملكون أن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له.
وما يملكون أن يذللوا ذبابة لم يركب الله في خصائصها أن تكون ذلولا لهم! .. «أَفَلا يَشْكُرُونَ؟» ..
وحين ينظر الإنسان إلى الأمر بهذه العين وفي هذا الضوء الذي يشيعه القرآن الكريم. فإنه يحس لتوه أنه مغمور بفيض من نعم الله. فيض يتمثل في كل شيء حوله. وتصبح كل مرة يركب فيها دابة، أو يأكل قطعة من لحم، أو يشرب جرعة من لبن، أو يتناول قطعة من سمن أو جبن. أو يلبس ثوبا من شعر أو صوف أو وبر.. إلى آخره إلى آخره.. لمسة وجدانية تشعر قلبه بوجود الخالق ورحمته ونعمته. ويطرد هذا في كل ما تمس يده من أشياء حوله، وكل ما يستخدمه من حي أو جامد في هذا الكون الكبير. وتعود حياته كلها تسبيحا لله وحمدا وعبادة آناء الليل وأطراف النهار..
ولكن الناس لا يشكرون. وفيهم من اتخذ مع هذا كله آلهة من دون الله: «وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ. لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ» : وفي الماضي كانت الآلهة أصناما وأوثانا، أو شجرا أو نجوما، أو ملائكة أو جنا.. والوثنية ما تزال حتى اليوم في بعض بقاع الأرض. ولكن الذين لا يعبدون هذه الآلهة لم يخلصوا للتوحيد. وقد يتمثل شركهم اليوم في الإيمان بقوى زائفة غير قوة الله وفي اعتمادهم على أسناد أخرى غير الله. والشرك ألوان، تختلف باختلاف الزمان والمكان.
ولقد كانوا يتخذون تلك الآلهة يبتغون أن ينالوا بها النصر. بينما كانوا هم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة أن يعتدي عليها معتد أو يصيبها بسوء، فكانوا هم جنودها وحماتها المعدين لنصرتها: «وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ» ..
وكان هذا غاية في سخف التصور والتفكير. غير أن غالبية الناس اليوم لم ترتق عن هذا السخف إلا من حيث الشكل. فالذين يؤلهون الطغاة والجبارين اليوم، لا يبعدون كثيرا عن عباد تلك الأصنام والأوثان. فهم جند محضرون للطغاة. وهم الذين يدفعون عنهم ويحمون طغيانهم. ثم هم في الوقت ذاته يخرون للطغيان راكعين! إن الوثنية هي الوثنية في شتى صورها. وحيثما اضطربت عقيدة التوحيد الخالص أي اضطراب جاءت الوثنية، وكان الشرك، وكانت الجاهلية! ولا عصمة للبشرية إلا بالتوحيد الخالص الذي يفرد الله وحده بالألوهية. ويفرده وحده بالعبادة. ويفرده وحده بالتوجه والاعتماد. ويفرده وحده بالطاعة والتعظيم.
«فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ. إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ» .
الخطاب للرسول- صلّى الله عليه وسلّم- وهو يواجه أولئك الذين اتخذوا من دون الله آلهة. والذين لا يشكرون ولا يذكرون. ليطمئن بالا من ناحيتهم. فهم مكشوفون لعلم الله. وكل ما يدبرونه وما يملكونه تحت عينه.
فلا على الرسول منهم. وأمرهم مكشوف للقدرة القادرة. والله من ورائهم محيط..
ولقد هان أمرهم بهذا. وما عاد لهم من خطر يحسه مؤمن يعتمد على الله. وهو يعلم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. وأنهم في قبضته وتحت عينه وهم لا يشعرون! والمقطع الثالث في هذا القطاع الأخير يتناول قضية البعث والنشور:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2976