نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2926
يخاطب الرسول- صلّى الله عليه وسلّم-:
«وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» ..
تلك هي الحقائق الكبرى واضحة بارزة فإن يكذبوك فلا عليك من التكذيب، فلست بدعا من الرسل:
«فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» والأمر كله لله، وإليه ترجع الأمور، وما التبليغ والتكذيب إلا وسائل وأسباب.
والعواقب متروكة لله وحده، يدبر أمرها كيف يريد.
ويهتف بالناس:
«يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ. فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ. إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا. إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ» ..
إن وعد الله حق.. إنه آت لا ريب فيه. إنه واقع لا يتخلف. إنه حق والحق لا بد أن يقع، والحق لا يضيع ولا يبطل ولا يتبدد ولا يحيد. ولكن الحياة الدنيا تغر وتخدع. «فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا» . ولكن الشيطان يغر ويخدع فلا تمكنوه من أنفسكم «وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ» .. والشيطان قد أعلن عداءه لكم وإصراره على عدائكم «فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا» لا تركنوا إليه، ولا تتخذوه ناصحا لكم، ولا تتبعوا خطاه، فالعدو لا يتبع خطى عدوه وهو يعقل! وهو لا يدعوكم إلى خير، ولا ينتهي بكم إلى نجاة: «إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ» ! فهل من عاقل يجيب دعوة الداعي إلى عذاب السعير؟! إنها لمسة وجدانية صادقة. فحين يستحضر الإنسان صورة المعركة الخالدة بينه وبين عدوه الشيطان، فإنه يتحفز بكل قواه وبكل يقظته وبغريزة الدفاع عن النفس وحماية الذات. يتحفز لدفع الغواية والإغراء ويستيقظ لمداخل الشيطان إلى نفسه، ويتوجس من كل هاجسة، ويسرع ليعرضها على ميزان الله الذي أقامه له ليتبين، فلعلها خدعة مستترة من عدوه القديم! وهذه هي الحالة الوجدانية التي يريد القرآن أن ينشئها في الضمير. حالة التوفز والتحفز لدفع وسوسة الشيطان بالغواية كما يتوفز الإنسان ويتحفز لكل بادرة من عدوه وكل حركة خفية! حالة التعبئة الشعورية ضد الشر ودواعيه، وضد هواتفه المستسرة في النفس، وأسبابه الظاهرة للعيان. حالة الاستعداد الدائم للمعركة التي لا تهدأ لحظة ولا تضع أوزارها في هذه الأرض أبدا.
ثم يدعم هذه التعبئة وهذا الحذر وهذا التوفر ببيان عاقبة الكافرين الذين لبوا دعوة الشيطان، وحالة المؤمنين الذين طاردوه:
«الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ» ..
ويعقب على هذا بتصوير طبيعة الغواية، وحقيقة عمل الشيطان، والباب الذي يفتح فيجيء منه الشر كله ويمتد منه طريق الضلال الذي لا يرجع منه سالك متى أبعدت فيه خطاه:
«أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ... ؟» ..
هذا هو مفتاح الشر كله.. أن يزين الشيطان للإنسان سوء عمله فيراه حسنا. أن يعجب بنفسه وبكل ما يصدر عنها. ألا يفتش في عمله ليرى مواضع الخطأ والنقص فيه، لأنه واثق من أنه لا يخطئ! متأكد أنه دائما على صواب! معجب بكل ما يصدر منه! مفتون بكل ما يتعلق بذاته. لا يخطر على باله أن يراجع
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2926