نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2925
ونعمة الله على الناس لا تتطلب إلا مجرد الذكر فإذا هي واضحة بينة، يرونها ويحسونها ويلمسونها، ولكنهم ينسون فلا يذكرون.
وحولهم السماء والأرض تفيضان عليهم بالنعم، وتفيضان عليهم بالرزق وفي كل خطوة، وفي كل لحظة فيض ينسكب من خيرات الله ونعمه من السماء والأرض. يفيضها الخالق على خلقه. فهل من خالق غيره يرزقهم بما في أيديهم من هذا الفيض العميم؟ إنهم لا يملكون أن يقولوا هذا، وما كانوا يدعونه وهم في أغلظ شركهم وأضله. فإذا لم يكن هناك خالق رازق غير الله، فما لهم لا يذكرون ولا يشكرون؟ وما لهم ينصرفون عن حمد الله والتوجه إليه وحده بالحمد والابتهال؟ إنه «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» فكيف يصرفون عن الإيمان بهذا الحق الذي لا مراء فيه.. «فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ؟» .. وإنه لعجيب أن ينصرف منصرف عن مثل هذا الحق، الذي يواجههم به ما بين أيديهم من الرزق. وإنه لعجيب أن ينصرف عن حمد الله وشكره من لا يجد مفرا من الاعتراف بذلك الحق المبين! هذه الإيقاعات الثلاثة القوية العميقة هي المقطع الأول في السورة. وفي كل منها صورة تخلق الإنسان خلقا جديدا حين تستقر في ضميره على حقيقتها العميقة. وهي في مجموعها متكاملة متناسقة في شتى الاتجاهات..
[سورة فاطر (35) : الآيات 4 الى 8]
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8)
انتهى المقطع الأول من السورة بتلك الإيقاعات الثلاثة العميقة، بتلك الحقائق الكبيرة الأصيلة: حقيقة وحدانية الخالق المبدع. وحقيقة الاختصاص بالرحمة. وحقيقة الانفراد بالرزق.
وفي المقطع الثاني يتجه أولا إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- بالتسلية والتسرية عن تكذيبهم له، ويرجع الأمر كله إلى الله. ويتجه ثانيا إلى الناس يهتف بهم: إن وعد الله حق، ويحذرهم لعب الشيطان بهم ليخدعهم عن تلك الحقائق الكبرى، ويذهب بهم إلى السعير- وهو عدوهم الأصيل- ويكشف لهم عن جزاء المؤمنين وجزاء المخدوعين بالعدو الأصيل! ويتجه أخيرا إلى النبي- صلّى الله عليه وسلّم- ألا يأسى عليهم وتذهب نفسه حسرات فإن الهدى والضلال بيد الله. والله عليم بما يصنعون.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2925