responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2908
من الجزاء وتقرير أن ذلك موكول إلى موعده المقدور له في غيب الله:
«وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً» ..
هذه هي حدود الرسالة العامة للناس جميعا.. التبشير والإنذار. وعند هذا الحد تنتهي أما تحقيق هذا التبشير وهذا الإنذار فهو من أمر الله:
«وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. وَيَقُولُونَ: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟» ..
وهذا السؤال يوحي بجهلهم لوظيفة الرسول وعدم إدراكهم لحدود الرسالة. والقرآن حريص على تجريد عقيدة التوحيد. فما محمد إلا رسول محدد الوظيفة. وهو قائم في حدود وظيفته لا يتخطاها. والله هو صاحب الأمر. هو الذي أرسله، وهو الذي حدد له عمله وليس من عمله أن يتولى- ولا حتى أن يعلم- تحقيق الوعد والوعيد.. ذلك موكول إلى ربه، وهو يعرف حدوده. فلا يسأل مجرد سؤال عن شيء لم يطلعه عليه ربه، ولم يكل إليه أمره. وربه يكلفه أن يرد عليهم ردا معينا فيقوم به:
«قُلْ: لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ» ..
وكل ميعاد يجيء في أجله الذي قدره الله له. لا يستأخر لرغبة أحد، ولا يستقدم لرجاء أحد. وليس شيء من هذا عبثا ولا مصادفة. فكل شيء مخلوق بقدر. وكل أمر متصل بالآخر. وقدر الله يرتب الأحداث والمواعيد والآجال وفق حكمته المستورة التي لا يدركها أحد من عباده إلا بقدر ما يكشف الله له.
والاستعجال بالوعد والوعيد دليل على عدم إدراك هذه الحقيقة الكلية. ومن ثم فإن أكثر الناس لا يعلمون.
وعدم العلم يقودهم إلى السؤال والاستعجال.
«وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» ..
فهو العناد والإصرار ابتداء على رفض الهدى في كل مصادره. لا القرآن، ولا الكتب التي سبقته، والتي تدل على صدقه. فلا هذا ولا ذاك هم مستعدون للإيمان به لا اليوم ولا الغد. ومعنى هذا أنهم يصرون على الكفر، ويجزمون عن قصد بأنهم لن ينظروا في دلائل الهدى كائنة ما كانت. فهو العمد إذن وسبق الإصرار! عندئذ يجبههم بمشهدهم يوم القيامة، وفيه جزاء هذا الإصرار:
«وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ، يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ! قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا: أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى، بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ؟ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ! وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً.. وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا. هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ؟» ..
ذلك كان قولهم في الدنيا: «لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» .. فلو ترى قولهم في موقف آخر.
لو ترى هؤلاء الظالمين وهم «مَوْقُوفُونَ» على غير إرادة منهم ولا اختيار إنما هم مذنبون بالوقوف في انتظار الجزاء «عِنْدَ رَبِّهِمْ» .. ربهم الذي يجزمون بأنهم لن يؤمنوا بقوله وكتبه. ثم ها هم أولاء موقوفون عنده! لو ترى يومئذ لرأيت هؤلاء الظالمين يلوم بعضهم بعضا، ويؤنب بعضهم بعضا، ويلقي بعضهم تبعة ما هم فيه على بعض: «يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ» ..فماذا يرجعون من القول؟

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2908
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست