نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2894
وتبليغ رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- ما أمره ربه بتبليغه من أمرها يقرر أن «الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» يدركون ويشهدون بأن ما جاءه من ربه هو الحق وأنه يهدي إلى طريق العزيز الحميد:
«وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ، وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» ..
وقد ورد أن المقصود بالذين أوتوا العلم هم أهل الكتاب، الذين يعلمون من كتابهم أن هذا القرآن هو الحق، وأنه يقود إلى صراط العزيز الحميد.
ومجال الآية أكبر وأشمل. فالذين أوتوا العلم في أي زمان وفي أي مكان، من أي جيل ومن أي قبيل، يرون هذا متى صح علمهم واستقام واستحق أن يوصف بأنه «الْعِلْمَ» ! والقرآن كتاب مفتوح للأجيال.
وفيه من الحق ما يكشف عن نفسه لكل ذي علم صحيح. وهو يكشف عن الحق المستكن في كيان هذا الوجود كله. وهو أصدق ترجمة وصفية لهذا الوجود وما فيه من حق أصيل.
«وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» ..
وصراط العزيز الحميد هو المنهج الذي أراده للوجود واختاره للبشر لينسق خطاهم مع خطى هذا الكون الذي يعيشون فيه. وهو الناموس الذي يهيمن على أقدار هذا الكون كله، بما فيه من الحياة البشرية التي لا تنفصل في أصلها ونشأتها، ولا في نظامها وحركتها عن هذا الكون وما فيه ومن فيه.
يهدي إلى صراط العزيز الحميد بما ينشئه في إدراك المؤمن من تصور للوجود وروابطه وعلاقاته وقيمه ومكان هذا الإنسان منه، ودوره فيه وتعاون أجزاء هذا الكون من حوله- وهو معها- في تحقيق مشيئة الله وحكمته في خلقه وتناسق حركات الجميع وتوافقها في الاتجاه إلى بارئ الوجود.
ويهدي إلى صراط العزيز الحميد بتصحيح منهج التفكير، وإقامته على أسس سليمة، متفقة مع الإيقاعات الكونية على الفطرة البشرية بحيث يؤدي هذا المنهج بالفكر البشري إلى إدراك طبيعة هذا الكون وخواصه وقوانينه، والاستعانة بها، والتجاوب معها بلا عداء ولا اصطدام ولا تعويق.
ويهدي إلى صراط العزيز الحميد بمنهجه التربوي الذي يعد الفرد للتجاوب والتناسق مع الجماعة البشرية.
ويعد الجماعة البشرية للتجاوب والتناسق- أفرادا وجماعات- مع مجموعة الخلائق التي تعمر هذا الكون! ويعد هذه الخلائق كلها للتجاوب والتناسق مع طبيعة الكون الذي تعيش فيه.. كل ذلك في بساطة ويسر ولين.
ويهدي إلى صراط العزيز الحميد بما فيه من نظم وتشريعات مستقيمة مع فطرة الإنسان وظروف حياته ومعاشه الأصيلة، متناسقة مع القوانين الكلية التي تحكم بقية الأحياء، وسائر الخلائق فلا يشذ عنها الإنسان بنظمه وتشريعاته. وهو أمة من هذه الأمم في نطاق هذا الكون الكبير.
إن هذا الكتاب هو الدليل إلى هذا الصراط. الدليل الذي وضعه خالق الإنسان وخالق الصراط، العارف بطبيعة هذا وذاك. وإنك لتكون حسن الطالع وأنت تقوم برحلة في طريق لو حصلت على دليل من وضع المهندس الذي أنشأ هذا الطريق. فكيف بمنشئ الطريق ومنشئ السالك في الطريق؟! وبعد هذه اللمسة الموقظة الموجهة يستأنف حكاية حديثهم عن البعث، ودهشتهم البالغة لهذا الأمر، الذي يرونه عجيبا غريبا، لا يتحدث به إلا من أصابه طائف من الجن، فهو يتفوه بكل غريب عجيب، أو يفتري
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2894