نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2866
عليه وسلّم- فزوجنا عبده! قال: فنزل القرآن: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً» إلى آخر الآية. قال: وجاء أمر أجمع من هذا: «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» قال: فذاك خاص وهذا أجمع.
وفي رواية ثالثة: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ثابت البناني، عن أنس- رضي الله عنه- قال: خطب النبي- صلّى الله عليه وسلّم- على جليبيب [1] امرأة من الأنصار إلى أبيها. فقال:
حتى أستأمر أمها. فقال النبي- صلّى الله عليه وسلّم-: «فنعم إذن» . قال: فانطلق الرجل إلى امرأته، فذكر ذلك لها، فقالت: لاها الله! إذن ما وجد رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- إلا جليبيبا، وقد منعناها من فلان وفلان؟ قال: والجارية في سترها تسمع. قال: فانطلق الرجل يريد أن يخبر رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- بذلك. فقالت الجارية: أتريدون أن تردوا على رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أمره؟ إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه. قال: فكأنها جلت عن أبويها. وقالا: صدقت. فذهب أبوها إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فقال: إن كنت قد رضيته فقد رضيناه. قال- صلّى الله عليه وسلّم-:
«فإني قد رضيته» . قال: فزوجها.. ثم فزع أهل المدينة، فركب جليبيب، فوجدوه قد قتل، وحوله ناس من المشركين قد قتلهم. قال أنس- رضي الله عنه- فلقد رأيتها وإنها لمن أنفق بيت بالمدينة..
فهذه الروايات- إن صحت- تعلق هذه الآية بحادث زواج زينب من زيد- رضي الله عنهما- أو زواجه من أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
وقد أثبتنا الرواية الثالثة عن جليبيب لأنها تدل على منطق البيئة الذي توكل الإسلام بتحطيمه، وتولى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- تغييره بفعله وسنته. وهو جزء من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة على أساس منطق الإسلام الجديد، وتصوره للقيم في هذه الأرض، وانطلاق النزعة التحررية القائمة على منهج الإسلام، المستمدة من روحه العظيم.
ولكن نص الآية أعم من أي حادث خاص. وقد تكون له علاقة كذلك بإبطال آثار التبني، وإحلال مطلقات الأدعياء، وحادث زواج رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- من زينب- رضي الله عنها- بعد طلاقها من زيد. الأمر الذي كانت له ضجة عظيمة في حينه. والذي ما يزال يتخذه بعض أعداء الإسلام تكأة للطعن على رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- حتى اليوم، ويلفقون حوله الأساطير! وسواء كان سبب نزول الآية ما جاء في تلك الروايات، أو كانت بصدد زواج الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- من زينب- رضي الله عنها- فإن القاعدة التي تقررها الآية أعم وأشمل، وأعمق جدا في نفوس المسلمين وحياتهم وتصورهم الأصيل.
فهذا المقوّم من مقومات العقيدة هو الذي استقر في قلوب تلك الجماعة الأولى من المسلمين استقرارا حقيقيا واستيقنته أنفسهم، وتكيفت به مشاعرهم.. هذا المقوم يتلخص في أنه ليس لهم في أنفسهم شيء وليس لهم من أمرهم شيء. إنما هم وما ملكت أيديهم لله. يصرفهم كيف يشاء، ويختار لهم ما يريد. وإن هم إلا بعض هذا الوجود الذي يسير وفق الناموس العام. وخالق هذا الوجود ومدبره يحركهم مع حركة الوجود العام ويقسم لهم دورهم في رواية الوجود الكبيرة ويقرر حركاتهم على مسرح الوجود العظيم. وليس لهم أن يختاروا الدور الذي يقومون به، لأنهم لا يعرفون الرواية كاملة وليس لهم أن يختاروا الحركة التي يحبونها لأن ما يحبونه قد لا يستقيم مع الدور الذي خصص لهم! وهم ليسوا أصحاب الرواية ولا المسرح وإن هم إلا أجراء، [1] وهو من الموالي.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2866