نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2865
الله في هذا التنظيم بالرضى والتسليم.
ولقد سبق الحديث عن الحادث تقرير قاعدة أن الأمر لله ورسوله، وأنه ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. مما يوحي كذلك بصعوبة هذا الأمر الشاق المخالف لمألوف العرب وتقاليدهم العنيفة.
«وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً» ..
روي أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش- رضي الله عنها- حينما أراد النبي- صلّى الله عليه وسلّم- أن يحطم الفوارق الطبقية الموروثة في الجماعة المسلمة فيرد الناس سواسية كأسنان المشط. لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. وكان الموالي [1] - وهم الرقيق المحرر- طبقة أدنى من طبقة السادة. ومن هؤلاء كان زيد بن حارثة مولى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- الذي تبناه. فأراد رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- أن يحقق المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم، قريبته- صلّى الله عليه وسلّم- زينب بنت جحش ليسقط تلك الفوارق الطبقية بنفسه، في أسرته. وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطمها إلا فعل واقعي من رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- تتخذ منه الجماعة المسلمة أسوة، وتسير البشرية كلها على هداه في هذا الطريق.
روى ابن كثير في التفسير قال: قال العوفي عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: قوله تعالى: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ» . الآية. وذلك أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة- رضي الله عنه- فدخل على زينب بنت جحش الأسدية- رضي الله عنها- فخطبها، فقالت: لست بناكحته! فقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «بلى فانكحيه» . قالت: يا رسول الله. أؤامر في نفسي؟
فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً» .. الآية. قالت: قد رضيته لي يا رسول الله منكحا؟ قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «نعم» ! قالت: إذن لا أعصي رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قد أنكحته نفسي! وقال ابن لهيعة عن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: خطب رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- زينب بنت جحش لزيد بن حارثة- رضي الله عنه- فاستنكفت منه، وقالت: أنا خير منه حسبا- وكانت امرأة فيها حدة- فأنزل الله تعالى: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ ... » الآية كلها.
وهكذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان أنها نزلت في زينب بنت جحش- رضي الله عنها- حين خطبها رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- على مولاه زيد بن حارثة- رضي الله عنه- فامتنعت ثم أجابت.
وروى ابن كثير في التفسير كذلك رواية أخرى قال: وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: نزلت في في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط- رضي الله عنها- وكانت أول من هاجر من النساء- يعني بعد صلح الحديبية- فوهبت نفسها للنبي- صلّى الله عليه وسلّم- فقال: «قد قبلت» . فزوجها زيد بن حارثة- رضي الله عنه- (يعني والله أعلم بعد فراقه زينب) فسخطت هي وأخوها، وقال: إنما أردنا رسول الله- صلّى الله [1] قد تطلق هذه الكلمة على غير هذه الطبقة. فقد كانت قبيلة تكون موالي قبيلة، تنصرها، وتتكافل معها في الديات والتعويضات. على غير معنى الرق والعتق.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2865