نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2843
الشديد ورسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قائم يصلي في ثوب لإحدى أزواجه. فإذا هو في صلاته واتصاله بربه، لا يترك حذيفة يرتعش حتى ينتهي من صلاته بل يأخذه- صلوات الله وسلامه عليه- بين رجليه، ويلقي عليه طرف الثوب ليدفئه في حنو. ويمضي في صلاته. حتى ينتهي، فينبئه حذيفة النبأ، ويلقي إليه بالبشرى التي عرفها قلبه- صلّى الله عليه وسلّم- فبعث حذيفة يبصر أخبارها! أما أخبار شجاعته- صلّى الله عليه وسلّم- في الهول، وثباته ويقينه، فهي بارزة في القصة كلها، ولا حاجة بنا إلى نقلها، فهي مستفيضة معروفة.
وصدق الله العظيم: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً» ..
ثم تأتي صورة الإيمان الواثق المطمئن وصورة المؤمنين المشرقة الوضيئة، في مواجهة الهول، وفي لقاء الخطر. الخطر الذي يزلزل القلوب المؤمنة، فتتخذ من هذا الزلزال مادة للطمأنينة والثقة والاستبشار واليقين:
«وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً» ..
لقد كان الهول الذي واجهه المسلمون في هذا الحادث من الضخامة وكان الكرب الذي واجهوه من الشدة وكان الفزع الذي لقوه من العنف، بحيث زلزلهم زلزالا شديدا، كما قال عنهم أصدق القائلين:
«هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً» ..
لقد كانوا ناسا من البشر. وللبشر طاقة. لا يكلفهم الله ما فوقها. وعلى الرغم من ثقتهم بنصر الله في النهاية وبشارة الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- لهم، تلك البشارة التي تتجاوز الموقف كله إلى فتوح اليمن والشام والمغرب والمشرق.. على الرغم من هذا كله، فإن الهول الذي كان حاضرا يواجههم كان يزلزلهم ويزعجهم ويكرب أنفاسهم.
ومما يصور هذه الحالة أبلغ تصوير خبر حذيفة. والرسول- صلّى الله عليه وسلّم- يحس حالة أصحابه، ويرى نفوسهم من داخلها، فيقول: «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع. يشرط له رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- الرجعة. أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة» .. ومع هذا الشرط بالرجعة، ومع الدعاء المضمون بالرفقة مع رسول الله في الجنة، فإن أحدا لا يلبي النداء. فإذا عين بالاسم حذيفة قال:
فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني! .. ألا إن هذا لا يقع إلا في أقصى درجات الزلزلة..
ولكن كان إلى جانب الزلزلة، وزوغان الأبصار، وكرب الأنفاس.. كان إلى جانب هذا كله الصلة التي لا تنقطع بالله والإدراك الذي لا يضل عن سنن الله والثقة التي لا تتزعزع بثبات هذه السنن وتحقق أواخرها متى تحققت أوائلها. ومن ثم اتخذ المؤمنون من شعورهم بالزلزلة سببا في انتظار النصر. ذلك أنهم صدقوا قول الله سبحانه من قبل: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ: مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ» ..
وها هم أولاء يزلزلون. فنصر الله إذن منهم قريب! ومن ثم قالوا: «هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» .. «وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2843