نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2794
والحبل الذي لا ينقطع، حاجة ماسة دائمة. والعروة الوثقى هي عروة الإسلام لله والاستسلام والإحسان.
«وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ» .. وإليه المرجع والمصير. فخير أن يسلم الإنسان وجهه إليه منذ البداية وأن يسلك إليه الطريق على ثقة وهدى ونور..
«وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ، فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ» ..
تلك نهاية من يسلم وجهه إلى الله وهو محسن. وهذه نهاية من يكفر ويخدعه متاع الحياة. نهايته في الدنيا تهوين شأنه على رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وعلى المؤمنين. «وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ» .. فشأنه أهون من أن يحزنك، وأصغر من أن يهمك.. ونهايته في الأخرى التهوين من شأنه كذلك. وهو في قبضة الله لا يفلت وهو مأخوذ بعمله، والله أعلم بما عمل وبما يخفيه في صدره من نوايا: «إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» .. ومتاع الحياة الذي يخدعه قليل، قصير الأجل، زهيد القيمة..
«نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا» .. والعاقبة بعد ذلك مروعة فظيعة وهو مدفوع إليها دفعا لا يملك لها ردا: «ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ» .. ووصف العذاب بالغلظ يجسمه- على طريقة القرآن- والتعبير بالاضطرار يلقي ظل الهول الذي يحاول الكافر ألا يواجهه، مع العجز عن دفعه، أو التلكؤ دونه! فأين هذا ممن يسلم وجهه إلى الله ويستمسك بالعروة الوثقى، ويصير إلى ربه في النهاية هادىء النفس مطمئن الضمير؟
ثم يقفهم أمام منطق فطرتهم، حين تواجه الكون، فلا تجد مناصا من الاعتراف بالحقيقة الكامنة فيها وفي فطرة الكون على السواء ولكنهم يزيغون عنها وينحرفون، ويغفلون منطقها القويم:
«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ؟ لَيَقُولُنَّ: اللَّهُ. قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» ..
وما يملك الإنسان حين يستفتي فطرته ويعود إلى ضميره أن ينكر هذه الحقيقة الواضحة الناطقة. فهذه السماوات والأرض قائمة. مقدرة أوضاعها وأحجامها وحركاتها وأبعادها، وخواصها وصفاتها. مقدرة تقديرا يبدو فيه القصد، كما يبدو فيه التناسق. وهي قبل ذلك خلائق لا يدعي أحد أنه خلقها ولا يدعي أحد أن خالقا آخر غير الله شارك فيها ولا يمكن أن توجد هكذا بذاتها. ثم لا يمكن أن تنتظم وتتسق وتقوم وتتناسق بدون تدبير، وبدون مدبر. والقول بأنها وجدت وقامت تلقائيا أو فلتة أو مصادفة لا يستحق احترام المناقشة. فضلا على أن الفطرة من أعماقها تنكره وترده.
وأولئك الذين كانوا يواجهون عقيدة التوحيد بالشرك ويقابلون دعوة رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- بالجدال العنيف لم يكونوا يستطيعون أن يزيفوا منطق فطرتهم حين تواجه بالدليل الكوني الممثل في وجود السماوات والأرض، وقيامهما أمام العين، لا تحتاجان إلى أكثر من النظر! ومن ثم لم يكونوا يتلجلجون في الجواب: لو سئلوا: «مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ؟» وجوابهم: «اللَّهُ» ..
لذلك يوجه الله رسوله- صلّى الله عليه وسلّم- ليعقب على جوابهم هذا بحمد الله: «قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ» ..
الحمد لله على وضوح الحق في الفطرة، والحمد لله على هذا الإقرار القهري أمام الدليل الكوني. والحمد لله على كل حال. ثم يضرب عن الجدل والتعقيب بتعقيب آخر: «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ» .. ومن ثم يجادلون ويجهلون منطق الفطرة، ودلالة هذا الكون على خالقه العظيم.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2794