نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2793
ويبدو الجحود والإنكار بشعا شنيعا قبيحا، تنفر منه الفطرة، ويقشعر منه الضمير. ويبدو هذا الفريق من الناس الذي يجادل في حقيقة الله، وعلاقة الخلق بهذه الحقيقة. يبدو منحرف الفطرة ولا يستجيب لداعي الكون كله من حوله جاحدا النعمة لا يستحيي أن يجادل في المنعم بكل هذه النعم السابغة. ويزيد موقفه بشاعة أنه لا يرتكن في هذا الجدال إلى علم، ولا يهتدي بهدى، ولا يستند إلى كتاب ينير له القضية ويقدم له الدليل.
«وَإِذا قِيلَ لَهُمُ: اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا» ..
فهذا هو سندهم الوحيد، وهذا هو دليلهم العجيب! التقليد الجامد المتحجر الذي لا يقوم على علم ولا يعتمد على تفكير. التقليد الذي يريد الإسلام أن يحررهم منه وأن يطلق عقولهم لتتدبر ويشيع فيها اليقظة والحركة والنور، فيأبوا هم الانطلاق من إسار الماضي المنحرف، ويتمسكوا بالأغلال والقيود.
إن الإسلام حرية في الضمير، وحركة في الشعور، وتطلع إلى النور، ومنهج جديد للحياة طليق من إسار التقليد والجمود. ومع ذلك كان يأباه ذلك الفريق من الناس، ويدفعون عن أرواحهم هداه، ويجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.. ومن ثم يسخر منهم ويتهكم عليهم، ويشير من طرف خفي إلى عاقبة هذا الموقف المريب:
«أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ؟» ..
فهذا الموقف إنما هو دعوة من الشيطان لهم، لينتهي بهم إلى عذاب السعير. فهل هم مصرون عليه ولو قادهم إلى ذلك المصير؟ .. لمسة موقظة ومؤثر مخيف، بعد ذلك الدليل الكوني العظيم اللطيف.
وبمناسبة ذلك الجدال المتعنت الذي لا يستند إلى علم، ولا يهتدي بهدى، ولا يستمد من كتاب. يشير إلى السلوك الواجب تجاه الدليل الكوني والنعمة السابغة:
«وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ- وَهُوَ مُحْسِنٌ- فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى، وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ» ..
إنه الاستسلام المطلق لله- مع إحسان العمل والسلوك- الاستسلام بكامل معناه، والطمأنينة لقدر الله.
والانصياع لأوامر الله وتكاليفه وتوجيهاته مع الشعور بالثقة والاطمئنان للرحمة، والاسترواح للرعاية، والرضى الوجداني، رضى السكون والارتياح.. كل أولئك يرمز له بإسلام الوجه إلى الله. والوجه أكرم وأعلى ما في الإنسان..
«وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ- وَهُوَ مُحْسِنٌ- فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى» .. العروة الوثقى التي لا تنقطع ولا تهن ولا تخون ممسكا بها في سراء أو ضراء، ولا يضل من يشد عليها في الطريق الوعر والليلة المظلمة، بين العواصف والأنواء! هذه العروة الوثقى هي الصلة الوثيقة الثابتة المطمئنة بين قلب المؤمن المستسلم وربه. هي الطمأنينة إلى كل ما يأتي به قدر الله في رضى وفي ثقة وفي قبول، طمأنينة تحفظ للنفس هدوءها وسكينتها ورباطة جأشها في مواجهة الأحداث، وفي الاستعلاء على السراء فلا تبطر، وعلى الضراء فلا تصغر وعلى المفاجئات فلا تذهل وعلى اللأواء في طريق الإيمان، والعقبات تتناثر فيه من هنا ومن هناك.
إن الرحلة طويلة وشاقة وحافلة بالأخطار. وخطر المتاع فيها والوجدان ليس أصغر ولا أقل من خطر الحرمان فيها والشقاء. وخطر السراء فيها ليس أهون ولا أيسر من خطر الضراء. والحاجة إلى السند الذي لا يهن،
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2793