responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2682
أنه من بني إسرائيل. وأنه ناقم على الملك والحاشية، منتصر لقومه المضطهدين. وهذا هو الأنسب لمن في مقام موسى- عليه السّلام- فإنه بعيد الاحتمال أن تطيق نفسه البقاء في مستنقع الشر والفساد..
«فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ» ..
والوكز الضرب بجمع اليد. والمفهوم من التعبير أنها وكزة واحدة كان فيها حتف القبطي. مما يشي بقوة موسى وفتوته، ويصور كذلك انفعاله وغضبه ويعبر عما كان يخالجه من الضيق بفرعون ومن يتصل به.
ولكن يبدو من السياق أنه لم يكن يقصد قتل القبطي، ولم يعمد إلى القضاء عليه. فما كاد يراه جثة هامدة بين يديه حتى استرجع وندم على فعلته، وعزاها إلى الشيطان وغوايته فقد كانت من الغضب، والغضب شيطان، أو نفخ من الشيطان:
«قالَ: هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ. إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ» ..
ثم استطرد في فزع مما دفعه إليه الغضب، يعترف بظلمه لنفسه أن حملها هذا الوزر، ويتوجه إلى ربه، طالبا مغفرته وعفوه:
«قالَ: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي» ..
واستجاب الله إلى ضراعته، وحساسيته، واستغفاره:
«فَغَفَرَ لَهُ. إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» ..
وكأنما أحس موسى بقلبه المرهف وحسه المتوفز في حرارة توجهه إلى ربه، أن ربه غفر له. والقلب المؤمن يحس بالاتصال والاستجابة للدعاء، فور الدعاء، حين يصل إرهافه وحساسيته إلى ذلك المستوي وحين تصل حرارة توجهه إلى هذا الحد.. وارتعش وجدان موسى- عليه السّلام- وهو يستشعر الاستجابة من ربه، فإذا هو يقطع على نفسه عهدا، يعده من الوفاء بشكر النعمة التي أنعمها عليه ربه:
«قالَ: رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ» ..
فهو عهد مطلق ألا يقف في صف المجرمين ظهيرا ومعينا. وهو براءة من الجريمة وأهلها في كل صورة من صورها. حتى ولو كانت اندفاعا تحت تأثير الغيظ، ومرارة الظلم والبغي.
ذلك بحق نعمة الله عليه في قبول دعائه ثم نعمته في القوة والحكمة والعلم التي آتاه الله من قبل.
وهذه الارتعاشة العنيفة، وقبلها الاندفاع العنيف، تصور لنا شخصية موسى- عليه السّلام- شخصية انفعالية، حارة الوجدان، قوية الاندفاع. وسنلتقي بهذه السمة البارزة في هذه الشخصية في مواضع أخرى كثيرة.
بل نحن نلتقي بها في المشهد الثاني في هذه الحلقة مباشرة:
«فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ، قالَ لَهُ مُوسى: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ. فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ: يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ؟ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ، وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ» ..
لقد انتهت المعركة الأولى بالقضاء على القبطي، وندم موسى على فعلته، وتوجهه إلى ربه، واستغفاره إياه، ومغفرته له، وعهده على نفسه ألا يكون ظهيرا للمجرمين.
ومر يوم وأصبح في المدينة خائفا من انكشاف أمره، يترقب الافتضاح والأذى. ولفظ «يَتَرَقَّبُ» يصور

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2682
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست