responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2663
ولكنهم كانوا هكذا يقولون. وبعضهم ما يزال يقوله اليوم مع شيء من الاختلاف! هكذا كانوا يقولون. ثم يتبعون هذه القولة الجاهلة المطموسة بالتهكم والاستنكار:
«لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ. إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» .
فهم كانوا يعرفون أن الرسل من قبل قد أنذروا آباءهم بالبعث والنشور. مما يدل على أن العرب لم تكن أذهانهم خالية من العقيدة، ولا غفلا من معانيها. إنما كانوا يرون أن الوعود لم تتحقق منذ بعيد فيبنون على هذا استهتارهم بالوعد الجديد قائلين: إنها أساطير الأولين يرويها محمد- صلّى الله عليه وسلّم- غافلين أن للساعة موعدها الذي لا يتقدم لاستعجال البشر ولا يتأخر لرجائهم، إنما يجيء في الوقت المعلوم لله، المجهول للعباد في السماوات والأرض سواء. ولقد قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- لجبريل- عليه السّلام- وهو يسأله عن الساعة: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» [1] .
وهنا يلمس قلوبهم بتوجيهها إلى مصارع الذين كذبوا قبلهم بالوعيد ويسميهم المجرمين:
«قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ» .
وفي هذا التوجيه توسيع لآفاق تفكيرهم، فالجيل من البشر ليس مقطوعا من شجرة البشرية وهو محكوم بالسنن المتحكمة فيها وما حدث للمجرمين من قبل يحدث للمجرمين من بعد فإن السنن لا تحيد ولا تحابي.
والسير في الأرض يطلع النفوس على مثل وسير وأحوال فيها عبرة، وفيها تفتيح لنوافذ مضيئة. وفيها لمسات للقلوب قد توقظها وتحييها. والقرآن يوجه الناس إلى البحث عن السنن المطردة، وتدبر خطواتها وحلقاتها، ليعيشوا حياة متصلة الأوشاج متسعة الآفاق، غير متحجرة ولا مغلقة ولا ضيقة ولا منقطعة.
وبعد أن يوجههم هذا التوجيه يأمر رسوله- صلّى الله عليه وسلّم- أن ينفض يديه من أمرهم، ويدعهم لمصيرهم، الذي وجههم إلى نظائره، وألا يضيق صدره بمكرهم، فإنهم لن يضروه شيئا، وألا يحزن عليهم فقد أدى واجبه تجاههم وأبلغهم وبصرهم.
«وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ. وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ» ..
وهذا النص يصور حساسية قلبه- صلّى الله عليه وسلّم- وحزنه على مصير قومه الذي يعلمه من مصائر المكذبين قبلهم، ويدل كذلك على شدة مكرهم به وبالدعوة وبالمسلمين حتى ليضيق صدره الرحب الكبير.
ثم يمضي في سرد مقولاتهم عن قضية البعث، واستهانتهم بالوعيد بالعذاب في الدنيا أو في الآخرة:
«وَيَقُولُونَ: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ..
كانوا يقولون هذا كلما خوفوا بمصائر المجرمين قبلهم، ومصارعهم التي يمرون عليها مصبحين كقرى لوط، وآثار ثمود في الحجر، وآثار عاد في الأحقاف، ومساكن سبأ بعد سيل العرم.. كانوا يقولون مستهزئين:
«مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» متى هذا العذاب الذي تخوفوننا به؟ إن كنتم صادقين فهاتوه، أو خبرونا بموعده على التحديد! وهنا يجيء الرد يلقي ظلال الهول المتربص، وظلال التهكم المنذر في كلمات قصار:
«قُلْ: عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ» ..

[1] من حديث عبد الله بن عمر. في حقيقة الإسلام والإيمان. أخرجه مسلم وأصحاب السنن. [.....]
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2663
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست