responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2662
حتى يؤدي دوره كاملا في عمارة هذه الأرض، ويحقق وعد الله بخلافة هذا المخلوق الإنساني فيها.
وليس الإنسان وحده هو المحجوب عن غيب الله، ولكن كل من في السماوات والأرض من خلق الله.
من ملائكة وجن غيرهم ممن علمهم عند الله. فكلهم موكلون بأمور لا تستدعي انكشاف ستر الغيب لهم، فيبقي سره عند الله دون سواه.
«قُلْ: لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ» ..
وهو نص قاطع لا تبقى بعده دعوى لمدع، ولا يبقى معه مجال للوهم والخرافة.
وبعد هذا التعميم في أمر الغيب يخصص في أمر الآخرة لأنها القضية التي عليها النزاع مع المشركين بعد قضية التوحيد:
«وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» ..
ينفي عنهم العلم بموعد البعث في أغمض صوره وهو الشعور. فهم لا يعلمون بهذا الموعد يقينا، ولا يشعرون به حين يقترب شعورا. فذلك من الغيب الذي يقرر أن لا أحد يعلمه في السماوات ولا في الأرض.. ثم يضرب عن هذا ليتحدث في موقفهم هم من الآخرة، ومدى علمهم بحقيقتها:
«بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ» ..
فانتهى إلى حدوده، وقصر عن الوصول إليها، ووقف دونها لا يبلغها.
«بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها» ..
لا يستيقنون بمجيئها، بله أن يعرفوا موعدها، وينتظروا وقوعها.
«بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ» ..
بل هم عنها في عمى، لا يبصرون من أمرها شيئا، ولا يدركون من طبيعتها شيئا.. وهذه أشد بعدا عن الثانية وعن الأولى:
«وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ؟» ..
وهذه كانت العقدة التي يقف أمامها الذين كفروا دائما: أإذا فارقتنا الحياة، ورمت أجسادنا وتناثرت في القبور، وصارت ترابا.. أإذا وقع هذا كله- وهو يقع للموتى بعد فترة من دفنهم إلا في حالات نادرة شاذة- أإذا وقع هذا لنا ولآبائنا الذين ماتوا قبلنا يمكن أن نبعث أحياء كرة أخرى، وأن تخرج من الأرض التي اختلط رفاتنا بترابها فصار ترابا؟
يقولون هذا وتقف هذه الصورة المادية بينهم وبين تصور الحياة الأخرى. وينسون أنهم خلقوا أول مرة ولم يكونوا من قبل شيئا. ولا يدري أحد أين كانت الخلايا والذرات التي تكونت منها هياكلهم الأولى. فلقد كانت مفرقة في أطواء الأرض وأعماق البحار وأجواز الفضاء، فمنها ما جاء من تربة الأرض، ومنها ما جاء من عناصر الهواء والماء، ومنها ما قدم من الشمس البعيدة، ومنها ما تنفسه إنسان أو نبات أو حيوان، ومنها ما انبعث من جسد رمّ وتبخرت بعض عناصره في الهواء! .. ثمّ تمثلت هذه الخلايا والذرات في طعام يأكلونه، وشراب يشربونه، وهواء يتنفسونه، وشعاع يستدفئون به.. ثم إذا هذا الشتيت الذي لا يعلم عدده إلا الله، ولا يحصي مصادره إلا الله، يتجمع في هيكل إنسان وهو ينمو من بويضة عالقة في رحم، حتى يصير جسدا مسجى في كفن.. فهؤلاء في خلقتهم أول مرة، فهل عجب أن يكونوا كذلك أو على نحو آخر في المرة الآخرة!

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2662
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست