نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2659
المساعدة للحياة. ولو اختل شرط واحد من الشروط الكثيرة المتوافرة في تصميم هذا الوجود وتنسيقه لأصبح وجود الحياة على هذه الأرض مستحيلا [1] .
وأخيرا أليس هو الله الذي قدر الموت والحياة، واستخلف جيلا بعد جيل ولو عاش الأولون لضاقت الأرض بهم وبالآخرين ولأبطأ سير الحياة والحضارة والتفكير، لأن تجدد الأجيال هو الذي يسمح بتجدد الأفكار والتجارب والمحاولات، وتجدد أنماط الحياة، بغير تصادم بين القدامى والمحدثين إلا في عالم الفكر والشعور.
فأما لو كان القدامى أحياء لتضخم التصادم والاعتراض! ولتعطل موكب الحياة المندفع إلى الأمام! إنها كلها حقائق في الأنفس كتلك الحقائق في الآفاق. فمن الذي حقق وجودها وأنشأها؟ من؟
«أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟» ..
إنهم لينسون ويغفلون. هذه الحقائق كامنة في أعماق النفوس، مشهودة في واقع الحياة:
«قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ» ! ولو تذكر الإنسان وتدبر مثل هذه الحقائق لبقي موصولا بالله صلة الفطرة الأولى. ولما غفل عن ربه، ولا أشرك به أحدا.
ثم يمضي السياق إلى بعض الحقائق الأخرى الممثلة في حياة الناس ونشاطهم على هذا الكوكب، ومشاهداتهم التي لا تنكر:
«أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ؟ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ!» ..
والناس- ومنهم المخاطبون أول مرة بهذا القرآن- يسلكون فجاج البر والبحر في أسفارهم ويسبرون أسرار البر والبحر في تجاربهم.. ويهتدون.. فمن يهديهم؟ من أودع كيانهم تلك القوى المدركة؟ من أقدرهم على الاهتداء بالنجوم وبالآلات وبالمعالم؟ من وصل فطرتهم بفطرة هذا الكون، وطاقاتهم بأسراره؟ من جعل لآذانهم تلك القدرة على التقاط الأصوات، ولعيونهم تلك القدرة على التقاط الأضواء؟ ولحواسهم تلك القدرة على التقاط المحسوسات؟ ثم جعل لهم تلك الطاقة المدركة المسماة بالعقل أو القلب للانتفاع بكل المدركات، وتجميع تجارب الحواس والإلهامات؟
من؟ أإله مع الله؟
«وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ؟» ..
والرياح، مهما قيل في أسبابها الفلكية والجغرافية، تابعة للتصميم الكوني الأول، الذي يسمح بجريانها على النحو الذي تجري به، حاملة السحب من مكان إلى مكان، مبشرة بالمطر الذي تتجلى فيه رحمة الله، وهو سبب الحياة.
فمن الذي فطر هذا الكون على خلقته، فأرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته؟ من؟
«أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟» .. «تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ!» .
ويختم هذه الإيقاعات بسؤال عن خلقتهم وإعادتهم ورزقهم من السماء والأرض، مع التحدي والإفحام: [1] يراجع تفسير قوله تعالى: «وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً» في سورة الفرقان. جزء 19، ص 2548.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2659