نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2657
آلهتهم المدعاة بالله، فيعبدونها عبادة الله: «بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ» ..
ويعدلون. إما أن يكون معناها يسوون. أي يسوون آلهتهم بالله في العبادة. وإما أن يكون معناها: يحيدون.
أي يحيدون عن الحق الواضح المبين. بإشراك أحد مع الله في العبادة وهو وحده الخالق الذي لم يشاركه أحد في الخلق. وكلا الأمرين تصرف عجيب لا يليق! ثم ينتقل بهم إلى حقيقة كونية أخرى، يواجههم بها كما واجههم بحقيقة الخلق الأولى:
«أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً، وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً، وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً؟» ..
لقد كانت الحقيقة الكونية الأولى هي حقيقة خلق السماوات والأرض. أما هذه فهي الهيئة التي خلق عليها الأرض. لقد جعلها قرارا للحياة، مستقرة مطمئنة صالحة يمكن أن توجد فيها الحياة وتنمو وتتكاثر. ولو تغير وضعها من الشمس والقمر أو تغير شكلها، أو تغير حجمها، أو تغيرت عناصرها والعناصر المحيطة في الجو بها، أو تغيرت سرعة دورتها حول نفسها، أو سرعة دورتها حول الشمس، أو سرعة دورة القمر حولها.. إلى آخر هذه الملابسات الكثيرة التي لا يمكن أن تتم مصادفة، وأن تتناسق كلها هذا التناسق.. لو تغير شيء من هذا كله أدنى تغيير، لما كانت الأرض قرارا صالحا للحياة.
وربما أن المخاطبين إذ ذاك لم يكونوا يدركون من قوله تعالى: «أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً؟» كل هذه العجائب. ولكنهم كانوا يرون الأرض مستقرا صالحا للحياة على وجه الإجمال ولا يملكون أن يدعوا أن أحدا من آلهتهم كان له شرك في خلق الأرض على هذا المنوال. وهذا يكفي. ثم يبقى النص بعد ذلك مفتوحا للأجيال وكلما اتسع علم البشر أدركوا شيئا من معناه الضخم المتجدد على توالي الأجيال. وتلك معجزة القرآن في خطابه لجميع العقول، على توالي الأزمان! «أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً. وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً؟» ..
والأنهار في الأرض هي شرايين الحياة، وهي تنتشر فيها إلى الشرق وإلى الغرب، وإلى الشمال وإلى الجنوب، تحمل معها الخصب والحياة والنماء. والأنهار تتكون من تجمع مياه الأمطار وجريانها وفق طبيعة الأرض.
والله الذي خلق هذا الكون هو الذي قدر في تصميمه إمكان تكون السحب، ونزول المطر، وجريان الأنهار.
وما يملك أحد أن يقول: إن أحدا سوى الخالق المدبر قد شارك في خلق هذا الكون على هذا النحو وجريان الأنهار حقيقة واقعة يراها المشركون. فمن ذا أوجد هذه الحقيقة؟ «أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟» .
«وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ» ..
والرواسي: الجبال. وهي ثابتة مستقرة على الأرض. وهي في الغالب منابع الأنهار، حيث تجري منها مياه الأمطار إلى الوديان وتشق مجراها بسبب تدفقها من قمم الجبال العالية بعنف وقوة.
والرواسي الثابتة تقابل الأنهار الجارية في المشهد الكوني الذي يعرضه القرآن هنا والتقابل التصويري ملحوظ في التعبير القرآني. وهذا واحد منه. لذلك يذكر الرواسي بعد الأنهار.
«وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً» ..
البحر الملح الأجاج، والنهر العذب الفرات. سماهما بحرين على سبيل التغليب من حيث مادتهما المشتركة وهي الماء. والحاجز في الغالب هو الحاجز الطبيعي، الذي يجعل البحر لا يفيض على النهر فيفسده. إذ أن مستوى سطح النهر أعلى من مستوى سطح البحر. وهذا ما يحجز بينهما مع أن الأنهار تصب في البحار، ولكن مجرى النهر يبقى
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2657