نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2634
بعلمهم إليه؟ ماذا جنت غير الضحايا الوحشية في قنبلتي «هيروشيما» . و «ناجازاكي» وغير الخوف والقلق الذي يؤرق جفون الشرق والغرب ويتهددهما بالتحطيم والدمار والفناء [1] ؟
وبعد تلك الإشارة إلى الإنعام بمنة العلم على داود وسليمان، وحمدهما لله ربهما على منته وعرفانهما بقدرها وقيمتها يفرد سليمان بالحديث:
«وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ. وَقالَ: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ» ..
وداود أوتي الملك مع النبوة والعلم. ولكن الملك لا يذكر في صدد الحديث عن نعمة الله عليه وعلى سليمان.
إنما يذكر العلم. لأن الملك أصغر من أن يذكر في هذا المجال! «وورث سليمان داود» والمفهوم أنها وراثة العلم، لأنه هو القيمة العليا التي تستأهل الذكر. ويؤكد هذا إعلان سليمان في الناس: «قال: يا أيها الناس علمنا منطق الطير، وأوتينا من كل شيء» .. فيظهر ما علمه من منطق الطير ويجمل بقية النعم مع إسنادها إلى المصدر الذي علمه منطق الطير. وليس هو داود. فهو لم يرث هذا عن أبيه. وكذلك ما أوتيه من كل شيء إنما جاءه من حيث جاءه ذلك التعليم.
«يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ» .. يذيعها سليمان- عليه السّلام- في الناس تحدثا بنعمة الله، وإظهارا لفضله، لا مباهاة ولا تنفجا على الناس. ويعقب عليها «إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ» فضل الله الكاشف عن مصدره، الدال على صاحبه. فما يملك تعليم منطق الطير لبشر إلا الله. وكذلك لا يؤتي أحدا من كل شيء- بهذا التعميم- إلا الله.
وللطيور والحيوان والحشرات وسائل للتفاهم- هي لغاتها ومنطقها- فيما بينها. والله سبحانه خالق هذه العوالم يقول: «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ» ولا تكون أمما حتى تكون لها روابط معينة تحيا بها، ووسائل معينة للتفاهم فيما بينها. وذلك ملحوظ في حياة أنواع كثيرة من الطيور والحيوان والحشرات. ويجتهد علماء هذه الأنواع في إدراك شيء من لغاتها ووسائل التفاهم بينها عن طريق الحدس والظن لا عن الجزم واليقين. فأما ما وهبه الله لسليمان- عليه السّلام- فكان شأنا خاصا به على طريق الخارقة التي تخالف مألوف البشر. لا على طريق المحاولة منه والاجتهاد لتفهم وسائل الطير وغيره في التفاهم، على طريق الظن والحدس، كما هو حال العلماء اليوم..
أحب أن يتأكد هذا المعنى ويتضح لأن بعض المفسرين المحدثين ممن تبرهم انتصارات العلم الحديث يحاولون تفسير ما قصة القرآن عن سليمان- عليه السّلام- في هذا الشأن بأنه نوع من إدراك لغات الطير والحيوان والحشرات على طريقة المحاولات العلمية الحديثة. وهذا إخراج للخارقة عن طبيعتها، وأثر من آثار الهزيمة والانبهار بالعلم البشري القليل! وإنه لأيسر شيء وأهون شيء على الله، أن يعلم عبدا من عباده لغات الطير والحيوان والحشرات، [1] قال البروفسور «م. ي. أولي فنيت» الأستاذ بجامعة برمنجهام وعضو الهيئة الصناعية في إعداد القنبلة الذرية. بعد حادثي هيروشيما وناجازاكي:
«وأنا على يقين أنه سيظهر في مدة قصيرة على مسرح العالم قنابل تفوق القنابل الأولى بعشرة آلاف طن في قوة الانفجار. وستليها قنابل قوتها مليون طن، ولا ينفع في التوقي منها دفاع أو احتياط. وإن ست قنابل من هذا القبيل تكفي لتدمير انجلترا على بكرة أبيها» .
وقد صحت نبوءته وأنتجت القنابل الهيدروجينية التي تعد قنبلتا هيروشيما وناجازاكي بالقياس إليها لعبة أطفال! وبهذه المناسبة نذكر أن قنبلة هيروشيما قد قتلت لفورها من اليابانيين من يتراوح عددهم بين عشرة ومائتي ألف وأربعين ومائتي ألف.
وذلك غير المشوهين والمحروقين الذين ماتوا بعد ذلك. وهم يعدون بعشرات الألوف!!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2634