responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2622
ومن ثم لا تبقى في الطاقة البشرية بقية للأحلام المهوّمة الطائرة. فالإسلام يستغرق هذه الطاقة في تحقيق الأحلام الرفيعة، وفق منهجه الضخم العظيم.
ومع هذا فالإسلام لا يحارب الشعر والفن لذاته- كما قد يفهم من ظاهر الألفاظ. إنما يحارب المنهج الذي سار عليه الشعر والفن. منهج الأهواء والانفعالات التي لا ضابط لها ومنهج الأحلام المهومة التي تشغل أصحابها عن تحقيقها. فأما حين تستقر الروح على منهج الإسلام، وتنضح بتأثراتها الإسلامية شعرا وفنا وتعمل في الوقت ذاته على تحقيق هذه المشاعر النبيلة في دنيا الواقع ولا تكتفي بخلق عوالم وهمية تعيش فيها، وتدع واقع الحياة كما هو مشوها متخلفا قبيحا! وأما حين يكون للروح منهج ثابت يهدف إلى غاية إسلامية، وحين تنظر إلى الدنيا فتراها من زاوية الإسلام، في ضوء الإسلام، ثم تعبر عن هذا كله شعرا وفنا.
فأما عند ذلك فالإسلام لا يكره الشعر ولا يحارب الفن، كما قد يفهم من ظاهر الألفاظ.
ولقد وجه القرآن القلوب والعقول إلى بدائع هذا الكون، وإلى خفايا النفس البشرية. وهذه وتلك هي مادة الشعر والفن. وفي القرآن وقفات أمام بدائع الخلق والنفس لم يبلغ إليها شعر قط في الشفافية والنفاذ والاحتفال بتلك البدائع وذلك الجمال.
ومن ثم يستثني القرآن الكريم من ذلك الوصف العام للشعراء:
«إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً، وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا» ..
فهؤلاء ليسوا داخلين في ذلك الوصف العام. هؤلاء آمنوا فامتلأت قلوبهم بعقيدة، واستقامت حياتهم على منهج. وعملوا الصالحات فاتجهت طاقاتهم إلى العمل الخير الجميل، ولم يكتفوا بالتصورات والأحلام.
وانتصروا من بعد ما ظلموا فكان لهم كفاح ينفثون فيه طاقتهم ليصلوا إلى نصرة الحق الذي اعتنقوه.
ومن هؤلاء الشعراء الذين نافحوا عن العقيدة وصاحبها في إبان المعركة مع الشرك والمشركين على عهد رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- حسان بن ثابت، وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة- رضي الله عنهم- من شعراء الأنصار، ومنهم عبد الله بن الزبعرى، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وقد كانا يهجوان رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- في جاهليتهما، فلما أسلما حسن إسلامهما ومدحا رسول الله ونافحا عن الإسلام.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قال لحسان: «اهجهم- أو قال هاجهم- وجبريل معك» .. وعن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه أنه قال للنبي- صلّى الله عليه وسلّم- إن الله عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل. فقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل» (رواه الإمام أحمد) .
والصور التي يتحقق بها الشعر الإسلامي والفن الإسلامي كثيرة غير هذه الصورة التي وجدت وفق مقتضياتها.
وحسب الشعر أو الفن أن ينبع من تصور إسلامي للحياة في أي جانب من جوانبها، ليكون شعرا أو فنا يرضاه الإسلام.
وليس من الضروري أن يكون دفاعا ولا دفعا ولا أن يكون دعوة مباشرة للإسلام ولا تمجيدا له أو لأيام الإسلام ورجاله.. ليس من الضروري أن يكون في هذه الموضوعات ليكون شعرا إسلاميا. وإن نظرة إلى سريان الليل وتنفس الصبح، ممزوجة بشعور المسلم الذي يربط هذه المشاهد بالله في حسه لهي الشعر الإسلامي

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 2622
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست