نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2621
ولا يأمرون بتقوى، ولا يقودون إلى إيمان. وما هكذا كان رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وهو يدعو الناس بهذا القرآن إلى منهج قويم.
ولقد كانوا يقولون عن القرآن أحيانا: إنه شعر، ويقولون عن النبي- صلّى الله عليه وسلّم- إنه شاعر. وهم في حيرتهم كيف يواجهون هذا القول الذي لا يعرفون له نظيرا، والذي يدخل إلى قلوب الناس، ويهز مشاعرهم، ويغلبهم على إرادتهم من حيث لا يملكون له ردا.
فجاء القرآن يبين لهم في هذه السورة أن منهج محمد- صلّى الله عليه وسلّم- ومنهج القرآن غير منهج الشعراء ومنهج الشعر أصلا. فإن هذا القرآن يستقيم على نهج واضح، ويدعو إلى غاية محددة، ويسير في طريق مستقيم إلى هذه الغاية. والرسول- صلّى الله عليه وسلّم- لا يقول اليوم قولا ينقضه غدا، ولا يتبع أهواء وانفعالات متقلبة إنما يصر على دعوة، ويثبت على عقيدة، ويدأب على منهج لا عوج فيه. والشعراء ليسوا كذلك.
الشعراء أسرى الانفعالات والعواطف المتقلبة. تتحكم فيهم مشاعرهم وتقودهم إلى التعبير عنها كيفما كانت. ويرون الأمر الواحد في لحظة أسود. وفي لحظة أبيض. يرضون فيقولون قولا، ويسخطون فيقولون قولا آخر. ثم هم أصحاب أمزجة لا تثبت على حال! هذا إلى أنهم يخلقون عوالم من الوهم يعيشون فيها، ويتخيلون أفعالا ونتائج ثم يخالونها حقيقة واقعة يتأثرون بها. فيقل اهتمامهم بواقع الأشياء، لأنهم يخلقون هم في خيالهم واقعا آخر يعيشون عليه؟
وليس كذلك صاحب الدعوة المحددة، الذي يريد تحقيقها في عالم الواقع ودنيا الناس. فلصاحب الدعوة هدف، وله منهج، وله طريق. وهو يمضي في طريقه على منهجه إلى هدفه مفتوح العين، مفتوح القلب، يقظ العقل لا يرضى بالوهم، ولا يعيش بالرؤى، ولا يقنع بالأحلام، حتى تصبح واقعا في عالم الناس.
فمنهج الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- ومنهج الشعراء مختلفان، ولا شبهة هناك، فالأمر واضح صريح:
«وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ؟!» .
فهم يتبعون المزاج والهوى ومن ثم يتبعهم الغاوون الهائمون مع الهوى، الذين لا منهج لهم ولا هدف.
وهم يهيمون في كل واد من وديان الشعور والتصور والقول، وفق الانفعال الذي يسيطر عليهم في لحظة من اللحظات تحت وقع مؤثر من المؤثرات.
وهم يقولون ما لا يفعلون. لأنهم يعيشون في عوالم من صنع خيالهم ومشاعرهم، يؤثرونها على واقع الحياة الذي لا يعجبهم! ومن ثم يقولون أشياء كثيرة ولا يفعلونها، لأنهم عاشوها في تلك العوالم الموهومة، وليس لها واقع ولا حقيقة في دنيا الناس المنظورة! إن طبيعة الإسلام- وهو منهج حياة كامل معد للتنفيذ في واقع الحياة، وهو حركة ضخمة في الضمائر المكنونة وفي أوضاع الحياة الظاهرة- إن طبيعة الإسلام هذه لا تلائمها طبيعة الشعراء كما عرفتهم البشرية- في الغالب- لأن الشاعر يخلق حلما في حسه ويقنع به. فأما الإسلام فيريد تحقيق الحلم ويعمل على تحقيقه، ويحول المشاعر كلها لتحقق في عالم الواقع ذلك النموذج الرفيع.
والإسلام يحب للناس أن يواجهوا حقائق الواقع ولا يهربوا منها إلى الخيال المهوّم. فإذا كانت هذه الحقائق لا تعجبهم، ولا تنفق مع منهجه الذي يأخذهم به، دفعهم إلى تغييرها، وتحقيق المنهج الذي يريد.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2621