نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2575
بكلمات ينطق بها لسانه ويعتقد بها قلبه. وهذه ميزة الإسلام. ميزته أن ليس هناك كاهن يتقاضى ثمن كهانته، ولا وسيط يقبض ثمن وساطته ليس هنالك «رسم دخول» ولا ثمن لتناول سر ولا بركة ولا استقبال! هذه هي بساطة هذا الدين وبراءته من كل ما يحول بين القلب والإيمان ومن كل ما يقف بين العبد وربه من وسطاء وكهان.. ليس هنالك سوى أجر واحد للرسول- صلّى الله عليه وسلّم- هو اهتداء المهتدي إلى الله وتقربه إلى ربه بما يراه! «إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا» .. هذا وحده هو أجره.. يرضي قلبه الطاهر ويستريح وجدانه النبيل أن يرى عبدا من عباد الله قد اهتدى إلى ربه، فهو يبتغي رضاه، ويتحرى طريقه، ويتجه إلى مولاه.
«وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ» ..
وكل ما عدا الله ميت، لأنه صائر إلى موت، فلا يبقى إلا الحي الذي لا يموت. والتوكل على ميت، تفارقه الحياة يوما طال عمره أم قصر، هو ارتكان إلى ركن ينهار، وإلى ظل يزول. إنما التوكل على الحي الدائم الذي لا يزول.. «وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ» ولا يحمد إلا الله المنعم الوهاب.. ودع أمر الكفار الذين لا ينفعهم التبشير والإنذار إلى الحي الذي لا يموت فهو يعلم ذنوبهم ولا يخفى عليه منها شيء: «وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً» .
وفي معرض الخبرة المطلقة والقدرة على الجزاء يذكر خلق الله للسماوات والأرض، واستعلاءه على العرش:
«الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ، الرَّحْمنُ، فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً» ..
وأيام الله التي خلق فيها السماوات والأرض غير أيامنا الأرضية قطعا. فإنما أيامنا هذه ظل للنظام الشمسي، ومقياس لدورة فلكية وجدت بعد خلق السماوات والأرض. وهي مقيسة بقدر دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس. والخلق لا يقتضي إلا توجه الإرادة الإلهية المرموز له بلفظة: «كُنْ» فتتم الكينونة «فَيَكُونُ» .
ولعل هذه الأيام الستة من أيام الله التي لا يعلم مقدارها إلا هو- إنما تمت فيها أطوار متباعدة في السماوات والأرض حتى انتهت إلى وضعها الحالي. أما الاستواء على العرش فهو معنى الاستعلاء والسيطرة ولفظ «ثُمَّ» لا يدل على الترتيب الزمني إنما يدل على بعد الرتبة. رتبة الاستواء والاستعلاء.
ومع الاستعلاء والسيطرة الرحمة الكبيرة الدائمة: «الرَّحْمنُ» .. ومع الرحمة الخبرة: «فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً» الخبرة المطلقة التي لا يخفى عليها شيء. فإذا سألت الله، فإنما تسأل خبيرا، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
ومع هذا فإن أولئك المتبجحين المتطاولين، يقابلون الدعوة إلى عبادة الرحمن باستخفاف واستنكار:
«وَإِذا قِيلَ لَهُمُ: اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ: قالُوا: وَمَا الرَّحْمنُ؟ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا؟ وَزادَهُمْ نُفُوراً» ! وهي صورة كريهة من صور الاستهتار والتطاول تذكر هنا للتهوين من وقع تطاولهم على الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- فهم لا يوقرون ربهم، فيتحدثون بهذه اللهجة عن ذاته العلية، فهل يستغرب من هؤلاء أن يقولوا عن الرسول ما قالوا؟ وهم ينفرون من اسم الله الكريم، ويزعمون أنهم لا يعرفون اسم «الرَّحْمنُ» ويسألون عنه بما، زيادة في الاستهتار. «قالُوا: وَمَا الرَّحْمنُ؟» . ولقد بلغ من تطاولهم واستخفافهم أن يقولوا: ما نعرف الرحمن إلا ذاك باليمامة. يعنون به مسيلمة الكذاب!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 2575