نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2535
«وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ» .. والأمر الجامع الأمر الهام الذي يقتضي اشتراك الجماعة فيه، لرأي أو حرب أو عمل من الأعمال العامة. فلا يذهب المؤمنون حتى يستأذنوا إمامهم. كي لا يصبح الأمر فوضى بلا وقار ولا نظام.
وهؤلاء الذين يؤمنون هذا الإيمان، ويلتزمون هذا الأدب، لا يستأذنون إلا وهم مضطرون فلهم من إيمانهم ومن أدبهم عاصم ألا يتخلوا عن الأمر الجامع الذي يشغل بال الجماعة، ويستدعي تجمعها له.. ومع هذا فالقرآن يدع الرأي في الإذن أو عدمه للرسول- صلى الله عليه وسلم- رئيس الجماعة. بعد أن يبيح له حرية الإذن: «فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ» .. (وكان قد عاتبه على الإذن للمنافقين من قبل فقال: «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ! لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ» ) ... يدع له الرأي فإن شاء أذن، وإن شاء لم يأذن، فيرفع الحرج عن عدم الإذن، وقد تكون هناك ضرورة ملحة. ويستبقي حرية التقدير لقائد الجماعة ليوازن بين المصلحة في البقاء والمصلحة في الانصراف. ويترك له الكلمة الأخيرة في هذه المسألة التنظيمية يدبرها بما يراه.
ومع هذا يشير إلى أن مغالبة الضرورة، وعدم الانصراف هو الأولى، وأن الاستئذان والذهاب فيهما تقصير أو قصور يقتضي استغفار النبي- صلى الله عليه وسلم- للمعتذرين: «وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .. وبذلك يقيد ضمير المؤمن. فلا يستأذن وله مندوحة لقهر العذر الذي يدفع به إلى الاستئذان.
ويلتفت إلى ضرورة توقير الرسول- صلى الله عليه وسلم- عند الاستئذان، وفي كل الأحوال. فلا يدعى باسمه: يا محمد. أو كنيته: يا أبا القاسم. كما يدعو المسلمون بعضهم بعضا. إنما يدعى بتشريف الله له وتكريمه: يا نبي الله. يا رسول الله:
«لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» ..
فلا بد من امتلاء القلوب بالتوقير لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى تستشعر توقير كل كلمة منه وكل توجيه. وهي لفتة ضرورية. فلا بد للمربي من وقار، ولا بد للقائد من هيبة. وفرق بين أن يكون هو متواضعا هينا لينا وأن ينسوا هم أنه مربيهم فيدعوه دعاء بعضهم لبعض.. يجب أن تبقى للمربي منزلة في نفوس من يربيهم يرتفع بها عليهم في قرارة شعورهم، ويستحيون هم أن يتجاوزوا معها حدود التبجيل والتوقير.
ثم يحذر المنافقين الذين يتسللون ويذهبون بدون إذن، يلوذ بعضهم ببعض، ويتدارى بعضهم ببعض..
فعين الله عليهم، وإن كانت عين الرسول لا تراهم: «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً» .. وهو تعبير يصور حركة التخلي والتسلل بحذر من المجلس ويتمثل فيها الجبن عن المواجهة، وحقارة الحركة والشعور المصاحب لها في النفوس.
«فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
وإنه لتحذير مرهوب، وتهديد رعيب.. فليحذر الذين يخالفون عن أمره، ويتبعون نهجا غير نهجه، ويتسللون من الصف ابتغاء منفعة أو اتقاء مضرة. ليحذروا أن تصيبهم فتنة تضطرب فيها المقاييس، وتختل فيها الموازين، وينتكث فيها النظام، فيختلط الحق بالباطل، والطيب بالخبيث، وتفسد أمور الجماعة وحياتها فلا يأمن على نفسه أحد، ولا يقف عند حده أحد، ولا يتميز فيها خير من شر.. وهي فترة شقاء للجميع:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2535