نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2533
اللواتي فرغت نفوسهن من الرغبة في معاشرة الرجال وفرغت أجسامهن من الفتنة المثيرة للشهوات:
«وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ- غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ- وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ..
فهؤلاء القواعد لا حرج عليهن أن يخلعن ثيابهن الخارجية، على ألا تنكشف عوراتهن ولا يكشفن عن زينة. وخير لهن أن يبقين كاسيات بثيابهن الخارجية الفضفاضة. وسمي هذا استعفافا. أي طلبا للعفة وإيثارا لها، لما بين التبرج والفتنة من صلة وبين التحجب والعفة من صلة.. وذلك حسب نظرية الإسلام في أن خير سبل العفة تقليل فرص الغواية، والحيلولة بين المثيرات وبين النفوس.
«وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» .. يسمع ويعلم، ويطلع على ما يقوله اللسان، وما يوسوس في الجنان. والأمر هنا أمر نية وحساسية في الضمير.
ثم يمضي في تنظيم العلاقات والارتباطات بين الأقارب والأصدقاء:
«لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ، أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ، أَوْ صَدِيقِكُمْ. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً. فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ، تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً. كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» ..
روي أنهم كانوا يأكلون من هذه البيوت المذكورة- دون استئذان- ويستصحبون معهم العمي والعرج والمرضى ليطعموهم.. الفقراء منهم.. فتحرجوا أن يطعموا وتحرج هؤلاء أن يصحبوهم دون دعوة من أصحاب البيوت أو إذن. ذلك حين نزلت: «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» فقد كانت حساسيتهم مرهفة. فكانوا يحذرون دائما أن يقعوا فيما نهى الله عنه، ويتحرجون أن يلموا بالمحظور ولو من بعيد.
فأنزل الله هذه الآية، ترفع الحرج عن الأعمى والمريض والأعرج، وعن القريب أن يأكل من بيت قريبة.
وأن يصحب معه أمثال هؤلاء المحاويج. وذلك محمول على أن صاحب البيت لا يكره هذا ولا يتضرر به.
استنادا إلى القواعد العامة في أنه «لا ضرر ولا ضرار» وإلى أنه «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس [1] » .
ولأن الآية آية تشريع، فإننا نلحظ فيها دقة الأداء اللفظي والترتيب الموضوعي، والصياغة التي لا تدع مجالا للشك والغموض. كما نلمح فيها ترتيب القرابات. فهي تبدأ ببيوت الأبناء والأزواج ولا تذكرهم.
بل تقول الآية: «مِنْ بُيُوتِكُمْ» فيدخل فيها بيت الابن وبيت الزوج، فبيت الابن بيت لأبيه، وبيت الزوج بيت لزوجته، وتليها بيوت الآباء، فبيوت الأمهات. فبيوت الإخوة، فبيوت الأخوات. فبيوت الأعمام، فبيوت العمات. فبيوت الأخوال، فبيوت الخالات.. ويضاف إلى هذه القرابات الخازن على مال الرجل فله أن يأكل مما يملك مفاتحه بالمعروف ولا يزيد على حاجة طعامه. ويلحق بها بيوت الأصدقاء. ليلحق صلتهم بصلة القرابة. عند عدم التأذي والضرر. فقد يسر الأصدقاء أن يأكل أصدقاؤهم من طعامهم بدون استئذان.
فإذا انتهى من بيان البيوت التي يجوز الأكل منها، بين الحالة التي يجوز عليها الأكل: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ [1] رواه الشافعي واستند إليه في أحد قوليه عن مكاتبة الرقيق.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2533