نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2532
الله عليه وسلم- وينظم علاقة الزيارة والطعام بين الأقارب والأصدقاء إلى جانب الأدب الواجب في خطاب الرسول ودعائه ... فكلها آداب تأخذ بها الجماعة المسلمة وتنتظم بها علاقاتها. والقرآن يربيها في مجالات الحياة الكبيرة والصغيرة على السواء.
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ، وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ، وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ. ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ. لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ. طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ. كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» ..
لقد سبقت في السورة أحكام الاستئذان على البيوت. وهنا يبين أحكام الاستئذان في داخل البيوت.
فالخدم من الرقيق، والأطفال المميزون الذين لم يبلغوا الحلم يدخلون بلا استئذان. إلا في ثلاثة أوقات تنكشف فيها العورات عادة، فهم يستأذنون فيها. هذه الأوقات هي: الوقت قبل صلاة الفجر حيث يكون الناس في ثياب النوم عادة أو أنهم يغيرونها ويلبسون ثياب الخروج. ووقت الظهيرة عند القيلولة، حيث يخلعون ملابسهم في العادة ويرتدون ثياب النوم للراحة. وبعد صلاة العشاء حين يخلعون ملابسهم كذلك ويرتدون ثياب الليل..
وسماها «عورات» لانكشاف العورات فيها. وفي هذه الأوقات الثلاثة لا بد أن يستأذن الخدم، وأن يستأذن الصغار المميزون الذين لم يبلغوا الحلم، كي لا تقع أنظارهم على عورات أهليهم. وهو أدب يغفله الكثيرون في حياتهم المنزلية، مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية، ظانين أن الخدم لا تمتد أعينهم إلى عورات السادة! وأن الصغار قبل البلوغ لا ينتبهون لهذه المناظر. بينما يقرر النفسيون اليوم- بعد تقدم العلوم النفسية- أن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم هي التي تؤثر في حياتهم كلها وقد تصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفاؤهم منها.
والعليم الخبير يؤدب المؤمنين بهذه الآداب وهو يريد أن يبني أمة سليمة الأعصاب، سليمة الصدور، مهذبة المشاعر، طاهرة القلوب، نظيفة التصورات.
ويخصص هذه الأوقات الثلاثة دون غيرها لأنها مظنة انكشاف العورات. ولا يجعل استئذان الخدم والصغار في كل حين منعا للحرج. فهم كثيرو الدخول والخروج على أهليهم بحكم صغر سنهم أو قيامهم بالخدمة:
«طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ» .. وبذلك يجمع بين الحرص على عدم انكشاف العورات، وإزالة الحرج والمشقة لو حتم أن يستأذنوا كما يستأذن الكبار.
فأما حين يدرك الصغار سن البلوغ، فإنهم يدخلون في حكم الأجانب، الذين يجب أن يستأذنوا في كل وقت، حسب النص العام، الذي مضت به آية الاستئذان.
ويعقب على الآية بقوله: «وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» لأن المقام مقام علم الله بنفوس البشر، وما يصلحها من الآداب ومقام حكمته كذلك في علاج النفوس والقلوب.
ولقد سبق الأمر كذلك بإخفاء زينة النساء منعا لإثارة الفتن والشهوات. فعاد هنا يستثني من النساء القواعد
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2532