نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2516
والإباحية بحكم ضعف حساسية الرقيق بالكرامة الإنسانية. وكان وجود الرقيق ضرورة إذ ذاك لمقابلة أعداء الإسلام بمثل ما يعاملون به أسرى المسلمين. لما كان الأمر كذلك عمل الإسلام على التخلص من الأرقاء كلما وأتت الفرصة. حتى تتهيأ الأحوال العالمية لإلغاء نظام الرق كله، فأوجب إجابة الرقيق إلى طلب المكاتبة على حريته. وذلك في مقابل مبلغ من المال يؤديه فينال حريته:
«وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ. إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً» ..
وآراء الفقهاء مختلفة في هذا الوجوب. ونحن نراه الأولى فهو يتمشى مع خط الإسلام الرئيسي في الحرية وفي كرامة الإنسانية. ومنذ المكاتبة يصبح مال الرقيق له، وأجر عمله له، ليوفي منه ما كاتب عليه ويجب له نصيب في الزكاة: «وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ» . ذلك على شرط أن يعلم المولى في الرقيق خيرا. والخير هو الإسلام أولا. ثم هو القدرة على الكسب. فلا يتركه كلا على الناس بعد تحرره. وقد يلجأ إلى أحط الوسائل ليعيش، ويكسب ما يقيم أوده. والإسلام نظام تكافل. وهو كذلك نظام واقع.
فليس المهم أن يقال: إن الرقيق قد تحرر. وليست العنوانات هي التي تهمه. إنما تهمه الحقيقة الواقعة. ولن يتحرر الرقيق حقا إلا إذا قدر على الكسب بعد عتقه فلم يكن كلا على الناس ولم يلجأ إلى وسيلة قذرة يعيش منها، ويبيع فيها ما هو أثمن من الحرية الشكلية وأغلى، وهو أعتقه لتنظيف المجتمع لا لتلويثه من جديد بما هو أشد وأنكى [1] .
وأخطر من وجود الرقيق في الجماعة، احتراف بعض الرقيق للبغاء. وكان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها- وهذا هو البغاء في صورته التي ما تزال معروفة حتى اليوم- فلما أراد الإسلام تطهير البيئة الإسلامية حرم الزنا بصفة عامة وخص هذه الحالة بنص خاص:
«وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ. إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً. لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا. وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .
فنهى الذين يكرهون فتياتهم على هذا المنكر، ووبخهم على ابتغاء عرض الحياة الدنيا من هذا الوجه الخبيث.
ووعد المكرهات بالمغفرة والرحمة. بعد الإكراه الذي لا يد لهن فيه.
قال السدي: أنزلت هذه الآية الكريمة في عبد الله بن أبي بن سلول، رأس المنافقين، وكانت له جارية تدعى معاذة. وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها، إرادة الثواب منه. والكرامة له. فأقبلت الجارية إلى أبي بكر- رضي الله عنه- فشكت إليه ذلك فذكره أبو بكر للنبي- صلى الله عليه وسلم- فأمره بقبضها. فصاح عبد الله بن أبي: من يعذرنا من محمد؟ يغلبنا على مملوكتنا! فأنزل الله فيهم هذا.
هذا النهي عن إكراه الفتيات على البغاء- وهن يردن العفة- ابتغاء المال الرخيص كان جزءا من خطة القرآن في تطهير البيئة الإسلامية. وإغلاق السبل القذرة للتصريف الجنسي. ذلك أن وجود البغاء يغري الكثيرين لسهولته ولو لم يجدوه لانصرفوا إلى طلب هذه المتعة في محلها الكريم النظيف.
ولا عبرة بما يقال من أن البغاء صمام أمن، يحمي البيوت الشريفة لأنه لا سبيل لمواجهة الحاجة الفطرية إلا بهذا العلاج القذر عند تعذر الزواج. أو تهجم الذئاب المسعورة على الأعراض المصونة، إن لم تجد هذا الكلأ المباح! [1] انتهى نظام الرق كله بمجرد وجود معاهدات عالمية تحرم استرقاق أسرى الحرب. فنظام الرق كان مؤقتا في الإسلام بمبدأ المعاملة بالمثل.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2516