نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2515
فيجب أن تزول العقبات من طريق الزواج، لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها. والعقبة المالية هي العقبة الأولى في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس. والإسلام نظام متكامل، فهو لا يفرض العفة إلا وقد هيأ لها أسبابها، وجعلها ميسورة للأفراد الأسوياء. فلا يلجأ إلى الفاحشة حينئذ إلا الذي يعدل عن الطريق النظيف الميسور عامدا غير مضطر.
لذلك يأمر الله الجماعة المسلمة أن تعين من يقف المال في طريقهم إلى النكاح الحلال:
«وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ، وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ. إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» ..
والأيامى هم الذين لا أزواج لهم من الجنسين.. والمقصود هنا الأحرار. وقد أفرد الرقيق بالذكر بعد ذلك: «وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ» .
وكلهم ينقصهم المال كما يفهم من قوله بعد ذلك: «إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» ..
وهذا أمر للجماعة بتزويجهم. والجمهور على أن الأمر هنا للندب. ودليلهم أنه قد وجد أيامى على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يزوجوا. ولو كان الأمر للوجوب لزوجهم. ونحن نرى أن الأمر للوجوب، لا بمعنى أن يجبر الإمام الأيامى على الزواج ولكن بمعنى أنه يتعين إعانة الراغبين منهم في الزواج، وتمكينهم من الإحصان، بوصفه وسيلة من وسائل الوقاية العملية، وتطهير المجتمع الإسلامي من الفاحشة. وهو واجب. ووسيلة الواجب واجبة.
وينبغي أن نضع في حسابنا- مع هذا- أن الإسلام- بوصفه نظاما متكاملا- يعالج الأوضاع الاقتصادية.
علاجا أساسيا فيجعل الأفراد الأسوياء قادرين على الكسب، وتحصيل الرزق، وعدم الحاجة إلى مساعدة بيت المال. ولكنه في الأحوال الاستثنائية يلزم بيت المال ببعض الإعانات.. فالأصل في النظام الاقتصادي الإسلامي أن يستغني كل فرد بدخله. وهو يجعل تيسير العمل وكفاية الأجر حقا على الدولة واجبا للأفراد.
أما الإعانة من بيت المال فهي حالة استثنائية لا يقوم عليها النظام الاقتصادي في الإسلام.
فإذا وجد في المجتمع الإسلامي- بعد ذلك- أيامى فقراء وفقيرات، تعجز مواردهم الخاصة عن الزواج، فعلى الجماعة أن تزوجهم. وكذلك العبيد والإماء. غير أن هؤلاء يلتزم أولياؤهم بأمرهم ما داموا قادرين.
ولا يجوز أن يقوم الفقر عائقا عن التزويج- متى كانوا صالحين للزواج راغبين فيه رجالا ونساء- فالرزق بيد الله. وقد تكفل الله بإغنائهم، إن هم اختاروا طريق العفة النظيف: «إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» .
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف [1] » .
وفي انتظار قيام الجماعة بتزويج الأيامى يأمرهم بالاستعفاف حتى يغنيهم الله بالزواج: «وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» .. «وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» .. لا يضيق على من يبتغي العفة، وهو يعلم نيته وصلاحه.
وهكذا يواجه الإسلام المشكلة مواجهة عملية فيهيئ لكل فرد صالح للزواج أن يتزوج ولو كان عاجزا من ناحية المال. والمال هو العقبة الكؤود غالبا في طريق الإحصان.
ولما كان وجود الرقيق في الجماعة من شأنه أن يساعد على هبوط المستوي الخلقي، وأن يعين على الترخص [1] أخرجه الترمذي والنسائي.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 4 صفحه : 2515